رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلام للأنام فى المحن والآلام


عندما تشتد الآلام وتزداد الغيوم والسحب وتظلم الدنيا وتضيق بالقادة والساسة والشعوب جاء صوت السماء يقول: «سلاما أترك لكم. سلامى أعطيكم ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب».

ووسط المخاوف زعزعت الكراسى وضاق الناس بالحكم والأحكام وقيود الأنظمة وارتفاع الضرائب فوق قدرات الناس ولد المسيح وصاحب مولده نشيد الملائكة “المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة».

ومع غرابة لغة النشيد إذ بدا مناقضا للواقع المعيش فالبلاد ترزح تحت حكم الرومان ذلك النظام الذى فرض الجزية على شعوب الأقاليم المحتلة لتغطية عجز موازنة روما وسداد فاتورة حكامها، حتى إن يوسف البار اضطر أن يصحب القديسة البارة العذراء مريم فى الساعات الأخيرة لمولد البار الذى شهدت له السماء والأرض وتنبأ عنه كل الأنبياء بأنه رئيس السلام ومعطى السلام ، «سلامى أعطيكم»، ذلك السلام الإلهى الذى هو عطية الله لكل المؤمنين «وليملك فى قلوبكم سلام الله الذى إليه دعيتم فى جسد واحد».

وما أشبه هذه الأيام بالماضى فالعالم فى أركانه المختلفة يشكو من اضطرابات وقلاقل ودماء تراق وأرواح تزهق لم ينجو منها شاب أو كهل حتى النساء والأطفال إلا أن وعد الله صادق دائما «ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر».

لقد عانى العالم كله الحروب العالمية والإقليمية، وذلك بسبب أطماع الحكومات وغزوات الهيمنة والسيطرة والاستغلال، ولعل الحربين العالميتين الأولى والثانية والحروب الإقليمية التى فى الشرق والغرب هى أكبر دليل على ذلك.

ويذكر التاريخ عن الحرب العالمية الأولى وفى ليلة الميلاد من عام 1917 ومن ميدان الحرب دوت أصوات الموسيقى مع نشيد ليلة الميلاد الصامتة وفى لحظة الهدوء المختلط بالخوف جاءت أناشيد الملائكة تعلن ميلاد المسيح وكان الصوت آتياً من الجنود الألمان، ولأن اللحن والكلمات معروفة بكل اللغات فهتف جنود الحلفاء نفس النشيد باللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية، ومن تلك الليلة توقف القتال بعد حرب ضروس لأربعة أعوام راح ضحيتها أكثر من ثمانية ملايين من الجنود المحاربين على الجانبين وكانت أناشيد السلام بليلة الميلاد نهاية القتال.

إننا جميعا رغم اختلافات التوجه والمقاصد نبحث عن السلام الذى يبدأ من داخل الإنسان وينعكس على تصرفات الشعوب والحكام فالكل يبحث عن سلام حقيقى لا بالكلام أو الأنغام ولا بالوعود والأوهام بل سلام مبنى على إرادة صادقة ومناعة مؤكدة بحاجتنا جميعا إلى سلام يبدأ من قناعة شخصية وتمتد آثاره إلى البيت الواحد وصولا إلى الدولة شعبا وقيادة ومنها إلى علاقات الجوار امتدادا إلى سلام لكل الشعوب.

لقد عانينا كثيرا من القلق والهموم والضغوط والمخاوف وذلك بسبب نقص وافتقار للسلام الحقيقى أى سلام الله.

فإلى كل باحث عن السلام الذى يبدأ من داخلنا امتدادا لمن حولنا مركزه «سلام الله» الذى من أجله ولد المسيح ودفع ثمنه بالموت ليحرر الإنسان من مصدر الخوف والقلق وهو الخطية، فبالإيمان بمصدر السلام ومعطيه - سلام الله الفائق الإدراك والمعرفة فلا تقدر الدنيا أن تنيل ذاك السلام الأسمى، كلا ، ولا عنا تزيل تلك العطايا العظمى.

فإلى البيوت المتصدعة لتقبل سلام الله الذى يرمم العلاقات ويصحح الأخطاء ويبنى الجسور المتهدمة مهما كانت جسامة الأفعال فغفرانه بلا حدود.

وإلى الخائفين والمضطربين يناديهم قائلا «لا تضطرب قلوبكم تعالوا إلىِ يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم».

لا تنسوا أنه رغم المحن والآلام فسلام الله لكل الأنام.

فلنفتح القلب له ولنعطه أسمى مقام

فى كل قلب حله حل السرور والسلام