رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تقرير الأمم المتحدة.. والاعتراف المتأخر


هل صحيح أن عالمنا العربي، أمام «ربيع جديد» وكارثى قد يلوح فى الأفق.؟

تقرير الأمم المتحدة الأخير عن التنمية العربية، والذى صدَرَ يوم الثلاثاء الماضي، 29 نوفمبر 2016، اعتبر أن حركات الاحتجاج العربية أقرب للتكرار كل خمس سنوات، كما أن الشباب العربى يميل إلى الاحتجاج أكثر من المشاركة فى التصويت. التقرير نشرته صحيفة الإيكونوميست البريطانية، بدا غريباً فى منطقه، إذ اعترف دون أن يدري، بأن «الوضع أسوأ بكثير مما كان عليه قبل الربيع العربي»... دون أن يتساءل: لماذا.؟ ومن المتسبب فى هذه الحالة الفوضية التى تم الإعداد والترويج لها بشكل غريب، للأسف الشديد دفعت 5 دول عربية الثمن الأفدح فى التاريخ المعاصر، باسم هذا «الربيع» التبشيرى بالحرية والديمقراطية، وإن كانت الحقيقة أنه لم يحمل سوى الخراب.! إذا كان الوضع الآن أسوأ، كما قال التقرير، فهذا يعنى بشكل غير مباشر أن ما قبل ثورات هذا «الربيع» كان أفضل من غالبية النواحي، مما يعيد السؤال مرة أخرى إلى الواجهة: طالما الأمر كان كذلك.. فلماذا ما حدث إذاً.؟ ومن المستفيد من كل ما جرى.؟ الحقيقة أن التقرير، تغافل عن الإجابة عن كل ذلك، ويغوص بعمق أكثر، خاصة وأنه تقرير أممى وصادر عن منظمة دولية، ومضى يتشدَّق باللعب على وتر الشباب، وتبنى مظلوميتهم المعتادة، واتهام الحكومات العربية بإهمالهم، والتذكير بأن عدداً قليلاً من الدروس قد تم استيعابها. فـ «بعد 5 سنوات من الثورات التى أطاحت بأربعة من القادة العرب، ما زالت الأنظمة تعامل المعارضة بخشونة وقسوة، ولكن مع انتباه أقل بكثير لأسبابها».!والأكثر مفاجأة، ما رأته الإيكونومست، من أن «الأمر مرعب، فعلى الرغم من أن العالم العربى وطن لـ 5% فقط من سكان العالم، إلا أنه فى العام 2014شكل العالم العربى 45% من الإرهاب فى العالم، و68% من الوفيات الناجمة عن معاركه، و47% من النازحين داخلياً و58% من اللاجئين. الحرب لا تقتل وتشوه فقط، ولكنها أيضاً تدمر البنية التحتية الحيوية بما يسرع من التفكك». مرة أخرى، لم يسأل معدو التقرير أنفسهم عن السبب فى هذه النتيجة المأساوية، وفى هذه المدة البسيطة زمنياً.. والتى يلقى التقرير فيها اللوم على ما سماه «فشل الدول» ليخرج علينا بالنتيجة الموجهة التى يريدها، وهى أن الشباب يشعرون «بالانتماء أكثر لدينهم أو طائفتهم أو قبيلتهم، أكثر من الانتماء لبلادهم».. فى تفسير ساذج للغاية عن انتشار ظواهر مثل التطرف أو التكفير، أو بالأحرى.. داعش.! التقرير طبعاً، لم يُفوّت الفرصة للتعريض بمصر، ويستشهد بنتائج المسح الوطنى للشباب فى مصر عام 2010، والتى أظهرت أن16% فقط من الشباب فى سن 18- 29 قاموا بالتصويت فى الانتخابات البرلمانية، بينما سجل 2% فقط فى الأعمال التطوعية. معتبراً أن هؤلاء الشباب هم «جيل لا يبالى بإهدار وقته»، إلا أنه بعد أسابيع، تدفق هذا الشباب إلى الشوارع ليطيح بالرئيس الأسبق حسنى مبارك. من خبرتي، لم أفهم من التقرير، سوى أنه تقرير تحريضى بامتياز، بدل أن يتناول أصل المرض، فإنه يتناول العَرَضْ، ويخلى مسئولية الغرب ـ وعلى رأسه الولايات المتحدة ـ فى دعم الأصولية الدينية ورعاية بل دعم التطرف، منذ نشوء القاعدة فى أفغانستان وقبلها حركة الإخوان الإرهابية، وليس انتهاء بداعش وغيرها من التنظيمات التكفيرية، التى ربما تكون محاربتها الآن تكفيراً عن الكثير من الأخطاء والخطايا. ما يهمنى هو الاعتراف الأهم، وهو أن ثورات الربيع المزعوم كانت كارثية، وهذا ما نحتاج لأن ندركه بهدوء وتعقل.!