رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا يصبح الداء بلا دواء


هناك قول شائع دائماً ما نردده عندما يشتد المرض بإنسان ولكى ما نبعث الطمأنينة فى نفسه وهو أن مرضه له دواء وأن الاستشفاء منه قريب.. ولكننا نخشى أن يأتى ذلك اليوم الذى يتعذر علينا أن نستخدم هذه العبارة أو أن تختفى من قاموسنا فى ظل هذه الأزمة المتعلقة ليس بارتفاع سعر الدواء ولكن باختفاء العديد من الأدوية.. هناك العديد من الأدوية اللازمة لعلاج العديد منالأمراض المزمنة والتى يستخدمها الإنسان طوال حياته بل إن عدم تعاطيه الجرعة فى الوقت المعين يفارق الحياة.. ولا ينبغى أن ننسى تلك الأدوية التى تستخدم أثناء إجراء العمليات الجراحية وبعدها والتى دونها لا يمكن إجراء العمليات وتصبح حياة الإنسان فى خطر.. وقد رأينا وسمعنا عن اختفاء المحاليل التى تستخدم فى عمليات الغسيل لمرضى الفشل الكلوى وهو ما يعنى أن الأزمة قد باتت مصدر إزعاج للمواطنين فليس هناك ما هو أغلى من الحياة وهو أمر لا يعترف بالقوانين الاقتصادية التى تسرى بشأن بقية السلع الأخرى حتى تلك المعروفة بالسلع الأساسية التى تخص محدودى الدخل و القوى الشرائية المنخفضة التى لا تستطيع أن تصمد فى مواجهة ماراثون الأسعار.. إن كان من المعروف أن هناك التزاما من قبل الدولة بتوفير الاحتياجات الأساسية وهى المأكل والمأوى والملبس فى مقابل تنازله عن جزء من سيادته لها وفقاً لعقد اجتماعى غير مكتوب فالأمر يصبح أكثر إلزاماً عليها بالنسبة لذلك المطلب وتلك السلعة التى تتعلق بحياته.. فى هذه المسألة التى تتجاوز حدود مفهوم الأمن القومى فى مفهومه الأوسع والأشمل إذ تعد مسألة حياة أو موت وتتعلق بالبقاء يصبح الالتزام هنا أمرا حتميا ليس به أى مساحة للتسامح أو التهاون.. لذلك فلن يقبل من المسئولين أى أعذار قد يتعللون بها لتبرير عدم القدرة على توفير الدواء و قد يكون ذلك مقبولاً بالنسبة لسلعة أو خدمة ما أياً كانت أهميتها، أما فى هذه الحالة لا يقبل.. قد تكون الأسباب التى يتم الدفع بها لها مبرراتها ومنطقها مثل توفر العملات الصعبة الكافية أو ارتفاع مستلزمات التشغيل والمادة الفعالة المستخدمة فى صناعته أو حتى جشع المنتجين والمستوردين ولكنها إزاء الدواء فهى غير مقبولة ولاتشفع للحكومة.. إن ذلك لن يعفى الحكومة من مسئوليتها بل إنه يمكن أن يكون مأخذ عليها ومحل انتقاد ومساءلة فهل عند اتخاذ قرار التحرير لسعر الصرف ورفع الدعم عن المحروقات لم تقم بعمل دراسة للآثار التى يمكن أن تترتب على ذلك القرار بالنسبة لحالة الأسواق وأسعار السلع الأساسية؟ هل لم يكن لديها تصور أو توقع للأزمات التى يمكن أن تحدث فى أعقاب تلك القرارات وإن فعلت فإن ذلك وحده لا يكفى؟ هل قامت الحكومة بتطبيق مبادئ إدارة الأزمة الذى لا تعنى فقط انتظار الأزمة حتى تقع ثم يبدأ التعامل معها على غرار ما حدث وإن لم يكن بشكل كفء وفعال والذى لا يعدو أن يكون إحدى المراحل الأولية والمعروف بإدارة المخاطر وهى بمثابة الإسعافات الأولية من أجل التقليل من المضار المترتبة على الأزمة؟.. إن مفهوم إدارة يعنى الدراسة الوافية للأزمة التى يتوقع حدوثها، أى يتضمن ما يعرف بالتنبؤ بتداعيتها، على أن يكون ذلك من خلال توقع أسوأ السيناريوهات وذلك لتجنبها وتحاشيها أولاً مع وضع للحلول وبدائل التعامل معها.. إن عملية إدارة الأزمة تعنى ثلاث مراحل وهى التعامل معها قبل وقوعها وأثناء وقوعها وحتى مرحلة إزالة آثارها.. ذلك ما كان يجب أن يطبق فى شأن هذه القرارات الاقتصادية المهمة التى نعلم أنها سوف يترتب عليها تداعيات وآثار سلبية ويصبح الأمر أكثر أهمية بشأن السلع التى تمس حياة الإنسان ووجوده كالدواء ومستلزمات العلاج.. إن الدواء ليس فقط سلعة عديمة المرونة، أى لا يمكن الاستغناء عنها أو تقليل كمياتها، بل إن تكلفتها تساوى حياة الإنسان وبقاءه.