رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشروع العربى.. والأطماع الإيرانية الإقليمية


ثمة خلل يمكننا رصده فى الحسابات العربية لمعادلة توازن القوى بالشرق الأوسط يتيح لنا القول بأن هذا الخلل قد ساهم بشكل أو بآخر فى منح الفرصة لتنامى أطماع إقليمية فى المنطقة من قبل أطراف تسعى حثيثا للهيمنة على العالم العربى تحديدا ورغم أن إسرائيل كانت ومازالت فى أدبيات الفكر السياسى «الطامع التقليدى» الأكثر وضوحا فى هذا الصدد بحكم نحو سبعين عاماً من الصراع مع العرب منذ نشأة الدولة العبرية عام 1948 إلا أننا لا يمكن أن نغفل دولة أخرى دخلت على خط الأطماع التوسعية فى الشرق الأوسط وهى إيران. ونلاحظ أنه كلما استشعر حكام طهران بخطورة التضامن العربى برزت ملامح المشروع الفارسى وعليه يظل العمل العربى المشترك دائما فى علاقة عكسية مع التحرك الإيرانى فى الشرق الأوسط ولاسيما منذ قيام ثورة آيات الله فى عام 1979 حيث تعاظمت حدة الخطر الإيرانى.

رغم أن المشروع الفارسى للسيطرة على المنطقة خاصة منطقة الخليج ليس وليد هذه الفترة إنما ضارب فى أعماق التاريخ، ولهذا لم يكن غريبا أن تلعب دائما إيران على ما يمكن تسميته التناقضات العربية الثانوية من أجل تسخيرها لصالح تحقيق أهداف سياسية تخدم استراتيجية الدولة الإيرانية بالمنطقة. فقد حظى المشروع الفارسى بدعم أمريكا إبان وجود الشاه، ليكون الحاجز الأول أمام الاتحاد السوفييتى آنذاك، وكان للشاه حينها مشروع توسعى نحو دول الخليج لم يقدر له تحقيقه بسبب ظروف موضوعية تمت مواجهته بشكل من أشكال التوحد العربى والذى تمثل عمليا فى عام 1973 عندما استخدم العرب للمرة الأولى النفط سلاحا فى الحرب ضد إسرائيل.

ولهذا سعت طهران فى العقد الأخير إلى إزالة خلافاتها مع الدول الكبرى فى سبيل تحقيق طموحاتها فى المنطقة وكان آخر الاتفاق النووى مع الغرب، حيث رفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى العقوبات المفروضة على إيران مقابل التزامها بتطبيق الاتفاق النووى الذى توصلت إليه طهران مع مجموعة «1+5» فى يوليو عام 2015 ما جعل إيران تتفرغ لمشروعها الإقليمى، حيث حرصت طهران على استغلال خطابها المذهبى لاكتساب دور إقليمى من خلال عقد تحـــالفات مع جماعات فى دول المنطقة، خصوصاً فى لبـــنان والـــعراق وأفغانستان والأراضى الفلسطينية المحتلة. وفى المقابل لم يكن هناك مشروع عربى تكون مهمته مواجهة الأطماع الإيرانية ويقوم على مبدأ استقلالية القرار العربى بحيث يمنع إيران من التدخل فى شئون المنطقة من جهةويرسى لقاعدة المصالح المتبادلة التى تكفل التمهيد لسلام دائم مع الجانب الإيرانى من جهة ثانية ويعتمد على تحييد العامل المذهبى فى العلاقات العربية الإيرانية من جهة ثالثة وفى الوقت نفسه يجب أن يؤكد المشروع العربى المطلوب فى مواجهة المشروع الإيرانى ضرورة عودة الحس القومى العربى مجدداً على أساس فكرى وثقافى ويتجنب تكريس فكرة الطائفية والعرقية.

إن غياب المشروع العربى هو نتيجة طبيعية لضعف الصف العربى وهذا الآخر يرجع إلى «الخلاف العربى - العربى» وغياب التوحد فى مجابهة التحديات التى تواجه الأمة، التى تفرض الاتفاق على مشروع يمكن من التصدى لأطماع إيران وغيرها فى المنطقة، ونتساءل لماذا يجب على العرب التوصل لهذا المشروع؟ تتمثل الإجابة فى أن مشروع طهران يركز على مهاجمة الفكر والعقل العربى بمحاولة فرض نمط فكرى يكرس تسييد الاتجاهات المذهبية المشهد العام ويثير القلاقل العرقية ويحط من الشأن العربى أو كما يقول الإيرانيون جعل العرب يعودون للصحراء ويمهد لسياسات وأفكار توسعية. إن مثل هذا التوجه الفكرى الذى يتسم بالعنصرية يجعل من إيران وإسرائيل طرفين موجودين فى سلة واحدة بالنسبة للعرب لكن بعض الأطراف العربية والإقليمية تغض الطرف عن هذه الحقيقة ولا يعنيها سوى المصالح المشتركة التى تربطها بإيران وأنا مع من يقول إن هناك البعض لا يميزون بين احتلال أرض عربية بقوة فارسية، واحتلال أرض مثلها بيد إسرائيلية، على الرغم أن مزارع شبعا مثلا فى لبنان لا تتجاوز مساحتها جزيرة طنب الكبرى فى دولة الإمارات فما بالكم باحتلال إيران جزيرتين إماراتيتين آخريتين هما طنب الصغرى وأبوموسى، ولا شك أن الجميع مع استعادة كل شبر عربى محتل ومن ثم يجب اعتبار إيران دولة محتلة كما هى إسرائيل دولة محتلة!!

نافلة القول إن التنظيم الإقليمى العربى المتمثل فى جامعة الدول العربية هو المعنى أساسا بإزالة الخلل فى حسابات معادلة توازن القوى بالمنطقة من خلال الإبراز السياسى للمشروع العربى فى مواجهة المشروع الإيرانى الذى يجب تعريته إعلاميا أمام العالم وكشف أبعاده التوسعية ولن يتحقق ذلك إلا باتفاق العرب على كلمة سواء وتجنب الخلافات «العربية – العربية» التى يستغلها الآخر تلميحا أو تصريحا لمصلحته!!