رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإصلاح الاقتصادى.. تأخر كثيراً


كان يمكن للرئيس عبد الفتاح السيسى أن يزيد من شعبيته كثيراً إذا قام بإنفاق ما ورد لمصر من أموال على الشعب، وكان يمكن غض النظر عن مشروع قناة السويس، ولا يقوم بمشروع المليون ونصف المليون من وحدات سكنية أو أراض زراعية، وكلها مشروعات عملاقة تم تنفيذها خلال أقل من عامين ولكنه اختار الطريق الأصعب، فقام بالمشروعات الكبيرة، بل بدأ عملية الإصلاح الاقتصادي، وكلها أكلت من شعبيته كثيراً، ولكنها فى النهاية تصب فى صالح الوطن، وللأجيال الجديدة، لقد تأخر الإصلاح الاقتصادى كثيراً، منذ بداية الانفتاح الاقتصادى وحتى اليوم، فمصر تحولت فجأة من نظام اشتراكى تقوم

فيه الدولة بكل شىء نيابة عن المواطن إلى نظام رأسمالي، لا يلتزم بأبجديات نظام السوق، ومن هنا ندرك أهمية عملية الإصلاح الاقتصادى الذى بدأته حكومة شريف إسماعيل.

فى عام 1977 قام الرئيس أنور السادات بزيادة بعض السلع الغذائية، فهاج اليسار وهاج الشعب معه، فيما عرف بانتفاضة الخبز، وتراجع الرئيس عن قراراته، وعادت الأسعار لطبيعتها، ولكنها زادت فى السر تدريجياً دون أى إعلان، وفى عام 1980 ارتفع سعر كيلو اللحم إلى جنيه واحد، فقام السادات بمنع ذبح الأبقار والأغنام لمدة شهر، ولكن سعر كيلو اللحم ارتفع تدريجياً، كما هو معلوم، وفى عام 1982 عقد الرئيس حسنى مبارك مؤتمراً اقتصادياً، تبنى سياسة الاقتصاد الحر فى مجتمع مازال اشتراكياً، وظلت الأسعار ترتفع، والدولة تدعم، والشعب غير راض، حتى جاء الدكتور عاطف صدقى رئيساً للوزراء، عندما قام بعملية إصلاح محدودة، حيث تراجع التضخم، وتحد سعر صرف العملات الأجنبية، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، فقد عادت الأمور عندما بدأت عملية الخصخصة، التى بيع من خلالها شركات رابحة لم يستفد منه الشعب كثيراً، وتزامن كل ذلك عندما جاء رجال الأعمال ليكونوا وزراء، وخلاصة القول إن عملية الإصلاح الاقتصادى الكاملة لم تحدث، وما حدث هو مسكنات اقتصادية، تزامنت مع مشروع توريث السلطة، كل هذا أدى فى النهاية لثورة 25 يناير وما حدث بعدها. ومن هنا نتفهم ما قامت به الحكومة من تعويم الجنيه وزيادة أسعار الوقود، وهو طريق مؤلم ولكنه الدواء المر، خاصة أن هذه القرارات المتكاملة تأخرت كثيراً، ولكن ذلك ليس كل شىء، فمصر فى أخطر مراحلها، وتواجه حرباً عسكرية وإرهابية وعالمية وإخوانية، ومن ثم على الحكومة أن تأخذ بنظر الاعتبار محدودى الدخل، والإسراع فى عملية العدالة الانتقالية، فليس من قبيل العدالة أن يكون مرتب العامل فى شركتى المياه والكهرباء أعلى كثيراً من مرتب وكيل وزارة التعليم، لا لشيء إلا لأن الشركتين تحصلان مبالغ مالية من المواطنين، الأمر نفسه بالنسبة لموظفى التأمينات والمعاشات، مرتباتهم تفوق أضعاف مرتبات الوزارات الخدمية، مثل التعليم والصحة.

كما أن الشعب ليس كله من موظفى الدولة، فيوجد الفلاحون والحرفيون والعمالة الزراعية، وكلهم يحتاجون المساعدة فى إيجاد عمل لهم، وكلها أمور تظهر الجانب السيئ من قرارات التعويم ورفع الأسعار، وفى كل الأحوال بدأنا الطريق الأصعب، وسيتحمل الشعب، وستخرج مصر من ضائقتها، وستذكر الأجيال القادمة بالخير والأمل ما تقوم به مصر الآن، لأنها هى الأجيال التى ستستفيد من كل تلك المشروعات والبرامج، حمى الله مصر وحفظ جيشها..