رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شباب السيد الرئيس


مؤتمر الشباب أحد أفضل إنجازات النظام المصرى الحالى، وأفضل ما فيه أنه شأن مؤسسى يكرس لعلاقة تواصل حقيقى قابلة للتطور الإيجابى بين الدولة ومعارضى نظامها وبين الدولة وشعبها.

هذا المؤتمر وصل إلى أعلى نسبة أداء ديمقراطى فى حدود إمكانيات مصر التاريخية والسياسية والثقافية والأمنية، وتطرق الحوار خلاله إلى كل ما يدور فى أذهان الناس من هواجس ومتاعب وحلول، وابتعد إلى حد معقول عن الأداء البروتوكولى الذى كان يميز كل المحاولات السابقة للتواصل بين الناس والسلطة، وعلى الرغم من كل الإنجازات الأخرى التى حققها النظام أو يحاول تحقيقها، فإن مؤتمر الشباب يستحق المركز الأول لأنه إنجاز ديمقراطى راق، ولأنه أساس جيد لأى إنجازات أخرى فى العالم، أى مجال اقتصادى أو سياسى أو اجتماعى.

رئيس الجمهورية ونظامه وحكومته هم الرابح الأول من المؤتمر، فقد انتهز السيسى فرصة هذا الملتقى وأجاب عن كل ما يدور فى أذهان معارضيه فى حدود الوقت المتاح أثناء الحوارات والمداخلات والتساؤلات، واستمع تقريباً لكل الآراء التى تعارضه والتى تؤيده، وحقق الرئيس فى هذا المؤتمر ما كان مستحيلاً فى عهود كل من سبقوه من رؤساء مصر فى تاريخها الحديث والمعاصر وشتى المراحل الأخرى. ففى كل محاولات التواصل السابقة مع الناس كان الحكام يكتفون بحضور عدد رمزى من شخصيات مؤيدة لهم تماما وأخرى قد لا تؤيدهم ولكنها تحت السيطرة، ولم يكن بوسع أى حاكم مصرى أن يجمع كل هذا العدد من الناس، وينظم لهم ندوات وورش عمل، ويترك لكل منهم فرصة طرح كل ما يريد من أفكار، ويستمع إليهم طوال الوقت باحترام شديد، ويعلق على ما يطرحه الناس ضد سياساته وتوجهاته بموضوعية وصدق، وكنت أتمنى أن يتسع هذا المهرجان الديمقراطى غير المسبوق لأى عدد من المطاريد أمثال علاء الأسوانى ويسرى فودة وهشام جنينة وبلال فضل وباسم يوسف وغيرهم، وقد يتحقق ذلك فى مؤتمرات قادمة مادام الرئيس يبحث عن ديمقراطية حقيقية ويسعى لتواصل مفتوح مع كل فئات الشعب.

كل ما طرحه الرئيس خلال المؤتمر معقول وموضوعى وقابل للفهم حتى لو اعترض عليه قطاع من الناس، وحتى لو كانت هناك رؤى موضوعية أيضاً تخالف ما استقر عليه النظام من قرارات أو تصورات. الشىء الوحيد الذى لم أتمكن من فهمه أو استيعابه هو دعوة الرئيس للسادة أولياء الأمور بالذهاب إلى مباريات كرة القدم مع أولادهم حتى يكف هؤلاء الأولاد عن إثارة الشغب!

هذا الاقتراح يحمل من الرومانسية أضعاف ما يحمله من الواقعية، ولو لم يكن منسوبا لرئيس الجمهورية لفتح الأبواب أمام عاصفة من التعليقات الكوميدية،س فضلاً عن إمكانية تحويله إلى مسلسلات وأفلام تحكى للناس كيف يكون الحال حين تتحول المدرجات إلى منتديات راقية تجتمع فيها العائلات المصرية الكريمة لتشجيع اللعبة الحلوة فى مباريات كرة القدم!!

الأب يا سيادة الرئيس لن يمنع ابنه من التعصب وقلة الأدب لو ذهب معه إلى الملعب، فهذا الأب هو الذى فشل فى تربية ابنه ومنعه من التعصب والعنف والبذاءة، فهل نطلب منه الآن منع هذا الابن من ممارسة هذه الآفات السلوكية أثناء المباريات؟ ثم إن الآباء أنفسهم متعصبون لأندية معينة مثل أبنائهم وربما أكثر، فهل نطلب منهم السيطرة على أولادهم بينما هم عاجزون عن تقويم أنفسهم؟ هذا إلى جانب أن كل الناس فى سن الشباب يأنفون من وصاية الأب أو الأسرة ويعتبرونها نوعاً من الإذلال الذى لا يليق إلا بالطفل الصغير، ولو ذهب أحدهم مع والده لمشاهدة إحدى المباريات بقرار جمهورى فإنه سوف يهرب من هذا الاب داخل المدرجات ويذهب لمشاهدة المباراة فى مدرج آخر مع زملائه الشباب.

نحن الآن فى عصر البنطلون المقطع والضفاير الرجالى وبذاءات التواصل الاجتماعى وأغانى المهرجانات، وهذا العصر لا تصلح فيه الرومانسية يا سيادة الرئيس!