رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفاشيون.. ونظرية المؤامرة؟


تتّهم الشعوب العربيّة إنّها شغوفة بنظريّة المؤامرة. هذا المنحى لدى العرب ليس وليد الصدفة، ولكنّه نتيجة سوابق متأصّلة فى التاريخ. ويرى الأستاذ محمد حسنين هيكل: «التاريخ ليس مؤامرة، ولكنّ هناك مؤامرات فى التاريخ وهذه المنطقة

أكثرها تعرّضاً لمؤامرات التاريخ». يفسّر ذلك بكون أنّها على مفترق طرق خريطة العالم، ومعبر الإمبراطوريّات، وتحوى نفطاً. ومنتهياً للقول أنّ اللافت ليس أنّ هناك مؤامرات تحاك ضدّ المنطقة، بل إنّها تنجح... على عكس أماكنٍ وأوطانٍ أخرى فى العالم.

إنّ هذيان الشعوب العربيّة المؤامراتىّ هذا لا يأتى فقط من التسريبات الخارجيّة، بل أيضاً من أجهزة الأنظمة القائمة، التى كثيراً ما تلجأ إلى التنديد «بمؤامرة خارجيّة» أو داخلية عندما تنحشر فى أىّ موضوعٍ سياسى لا تتمكّن من إدارته. وهذا حال الأنظمة التسلّطيّة حيث تختبئ يوميّاً فى صحفها التابعة لها مواضيعٌ عن «أسرار المؤامرات القادمة التى تنبأ بها المنجمون وقارئو الفنجان!. المشكلة ليست أنّ هناك مؤامرات فى التاريخ، بل فى كيفيّة التحضير لمستقبل لا يهمّ عندما يتحقّق من الذى تآمر عليه. فما هو المستقبل الذى تنشدون إليه أيّها الإخوان الممسكون بمقاليد مصر؟ وما هو الجدّ والحزم والوسائل الذى ستضعونها للوصول إليه؟

السؤال هو الاستعانة بالوسائل الفاشية وآية ذلك ما استجد عن نظريّة المؤامرة فى مصر هو التعليل الذى سيق فى تبرير الإعلان الدستورى، حيث الحديث تلميحا وتصريحا عن مؤامرة يحكيها بضعة أشخاص مدنيين مسالمين اجتمعوا فى شارع ضيق أو حارة سد! ولم يتم تقديم دليل أو ظل دليل وهذا الإعلان من رحم المؤامرة كان أعجوبة فى حد ذاته وما انتهى إليه من تمزيق العباد وبداية إرساء الفاشية فى مصر فما أعجب التاريخ عندما يعيد نفسه فى النسخة المصرية.

حيث حل الإسلام السياسى الراديكالى محل القومية المتطرفة حيث يمكن تفسير صعود الفاشية فى إيطاليا إلى مرحلة العشرينيات التى شهدت أولى إرهاصات القومية المتطرفة على الساحة السياسية، كان أحد أسبابها وجود شعور عام متخوف من الشيوعية المتمرسة وراء حدود أوروبا الشرقية، بالإضافة إلى خوف المواطن الأوروبى من وضع اقتصادى صعب، ومن تنامى مشاعر التنافس بين الدول الأوروبية على خلفية الزحف الاستعمارى والسعى إلى السيطرة على الأسواق الخارجية.

هذا ناهيك عن تداعيات الحرب العالمية الأولى التى كان لها دور كبير فى صعود النازية فى ألمانيا وشعور إيطاليا بالمؤامرة إزاء بقية القوى الأوروبية. كل ذلك هيأ إيطاليا لتكون تربة خصبة لصعود الفاشية التى تحولت إلى نوع من العقيدة الدينية، تنبنى على مجموعة من الممارسات تصل حد تقديس الزعيم واعتباره المنقذ الذى أرسله القدر لإخراج البلاد من أزماتها والتصدى لأعدائها، وهى الصفات التى تجسدت فى نظر العديد من الإيطاليين فى شخص موسولينى الذى سعى إلى إحياء التقاليد الرومانية القديمة وبعث إيطاليا، باعتبارها وريثة الإمبراطورية الرومانية.

وعبر سلسلة من الإجراءات حاول موسولينى تقريب تلك الفترة من أذهان الإيطاليين، سواء من يتبنى التحية الرومانية، أو الاحتفاء بالعرق الإيطالى، وكذلك اهتمامه بقيم الذكورة فى الرياضية والجيش وغيرها، وإعادة الثقة بالنفس للإيطاليين الذين هالهم ما رأوه من هزيمة قاسية فى إثيوبيا، وتراجع مكانة بلادهم على الساحة الأوروبية. فظهور حركة الإخوان المسلمين جاء فى أعقاب الهزيمة التاريخية لدولة الخلافة العثمانية والإحساس باستهداف الإسلام وتبنى نفس الشعارات الفاشية بلون مصرى حيث الهدف إعادة مجد الإسلام والخلافة عبر عملية إحياء إسلامى شامل وكامل عبر تنظيم قائم على السمع والطاعة يزدرى الديمقراطية ويحتقر الآخر الذى يراه متآمراً عليه أنه إما علمانى أو يسارى أو من دين آخر.

بل وصوروا أنفسهم بأنهم ــ مثل موسولينى ــ المنقذ الذى أرسله القدر لعزة الإسلام ونصرته ولإخراج البلاد من أزماتها والتصدى لأعدائها. وإذا كان بعض المصريين لم يتخلصوا من الشعارات السياسية الفارغة المضمون المستترة بالدين فإن بعض الإيطاليين لم يتخلصوا بعد من إغراء الفاشية لما تبعثه من روح قومية فى النفوس اليائسة، فإن ما تسببت فيه للإيطاليين أنفسهم من ويلات كفيل لوحده برفضها والكف عن إبداء الحنين تجاهها. فقد راهنت الفاشية على تحالفها مع هتلر، لتنتهى المعركة بفقدان إيطاليا سيادتها عقب الحرب العالمية الثانية، وليُسدل الستار على موسولينى نفسه معلقاً على المشنقة. وسوف تكشف وثائق ويكليكس الجديدة التى ستنشر تباعاً من تآمر على مصر ومن حاول بيع مصر ومن سطا على ثورتها زوراً وبهتاناً. وعندها سيكون لكل حادث حديث!

■ أستاذ العلوم السياسية