رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخوف من الخوف


قال فرانكلين روزفلت، بعد الخروج من حروب مدمرة وانهيار فى شتى مرافق الحياة عام 1933، عبارته الشهيرة «لا شىء يخيفنا أكثر من الخوف نفسه»، والإنسان بطبيعته يخاف أن يفقد ما لديه سواء كان ثروته أو صحته أو سمعته أو مواقع الأمان

المتمثلة فى أسرته وصداقته، ومن طبيعة الخوف أنه يصيب الإنسان بشلل فى التفكير فلا يستطيع أن يتخذ القرار المناسب فى الوقت المناسب.

كما أن الخوف يؤدى إلى اهتزاز فى أعمدة البناء الإنسانى وأهمها الإيمان والحب والثقة والاعتماد على الخالق المهيمن على المسكونة وكل الساكنين فيها، ومن هذه الأركان الأساسية يستمد الإنسان الهدوء والطمأنينة والفرح والأمن والأمان وكلها أحاسيس لا تعرف الخوف.

والإيمان بالله يرفع الإنسان فوق المخاوف مع وجود مبرراتها ومصادرها ، فالطاقة الإيمانية تعلو وتتغلب على مشاعر الخوف مهما بلغت، فالإيمان يجدد قوانا ويرفع درجة مقاومتنا حتى نرتفع فوق مستوى المخاوف مهما بلغت ذروتها، فالإيمان هو قارب النجاة فمهما بلغ ارتفاع المياه وأمواجها فان قارب النجاة يرتفع إلى ما هو أعلى من درجة مصادر الخوف.

فالحياة المهددة بالخوف لا تستحق أن يحياها الإنسان وليس من المعقول أن يعيش الإنسان وكأنه لا يحيا أو كمن هو غائب عن الحياة أو كمن يحيا بمؤثرات خارجية أو بجهاز يحركه وكأنه أشبه بالروبوت الذى يتحرك وفق التأثيرات الخارجية، والمؤثرات الخارجية لا تستمر طويلاً حيث ينقصها الأمل والرغبة فى مداومة السباق والسعى نحو الهدف فذلك أشبه بمتسابق يجرى فى طريق مسدود ومهما بلغ طول الطريق، ففى النهاية يجد علامة تعترضه تقول الطريق مغلق وما عليك إلا العودة مرة أخرى بمزيد من الفشل والملل وخيبة الأمل.

أما الحل لاستعادة الايمان فهو ينحصر فى تغيير المسار مهما بلغ حجم التضحية والتنازلات إذ ليس من المفيد أن يقف الإنسان باكيًا على اللبن المسكوب والجهد المفقود والوقت الضائع كمن يقف متفرسًا فى الحياة وكأنها وعاء فارغ لا يحتوى ما يفيد وهذا هو الموقف المعبر عنه بكلمة «الفشل».

أما بداية الخروج من المأزق وعبور الطريق الضيق فهو فى تغيير المسار أو التوجه والاتجاه المعاكس للطريق المسدود (الحارة السد)، وبداية النجاح تبدأ بالكف عن المحاولات الفاشلة أو التباكى على الماضى والبحث الجاد عن خارطة الطريق ليتعرف على الطريق والمعنى والحياة واسترداد الأمل مهما كلفنا هذا من جهد وفكر وسعى وتضحية وعندئذ يصبح الماضى تاريخًا والغد أملاً ورجاء، واليوم هو الحاضر الذى نعيشه بملء الأمل والرجاء والفرح والعطاء وتوقع ما هو أفضل دائماً.

لقد عبر أحد الفلاسفة «روبرت فولجهام» بالقول: أعتقد أن الإيمان أقوى من المعرفة وحضور الأسطورة أكبر من التاريخ والحلم أقوى من الحقيقة والأمل ينتصر دائمًا على الخبرة ويبقى الفرح هو العلاج الوحيد للأسى والحزن، وفى النهاية تبقى المحبة أقوى من الموت.

وأختم القول بأنه لا السعادة أو البؤس فى العالم هما من لهما الهيمنة، بل بالمقارنة بينهما لا أكثر ولا أقل، فمن اختبر الحزن العميق هو الأقدر أن يختبر السعادة فى قمتها وما علينا إلا أن نشعر بمعنى الموت حتى يمكننا القدرة على الاستمتاع بالحياة وذلك لا يتحقق إلا بالصبر والثقة والرجاء.وتبقى النصيحة: لا تخف من الخوف