رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلب.. وعقيدة أوباما


مع اشتداد القتال فى شرق حلب ومع انهيار على ما يبدو الاتفاق الروسى الأمريكى، هددت الولايات المتحدة باستخدام جميع الوسائل بما فيها استخدام العصابات الإرهابية وتسليح النصرة المختلطة مع ما يسمى الجيش الحرب بصواريخ لإسقاط الطائرات. وكلها أمور صعبة أن تحدث لأن إسقاط الطائرات يمكن أن يمتد إلى إسقاط طائرات مدنية ليس فى سوريا فحسب بل إلى تركيا ولبنان والاردن ويمكن ان ترد روسيا بالمثل فى اليمن مثلاً.

ثم إن أوباما وإدارته سبق أن حذروا من المستنقع الذى يمكن أن تقع فيه الولايات المتحدة فى حال وسّعت واشنطن دورها المحدود فى الحرب الأهلية السورية، ما علينا إلا أن ننظر إلى حجم تورط الولايات المتحدة بعد سنوات من الجهد فى أفغانستان مثلما شرح ذلك قائدُ القوات الأمريكية وقوات التحالف فى أفغانستان للجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب الأمريكى.

فقد فقدت الولايات المتحدة أكثر من 2200 قتيل وأكثر من 20 ألف جريح فى الأعمال العسكرية فى أفغانستان. وحتى هذه السنة المالية، أنفقت إدارتا بوش وأوباما 700 مليار دولار على الأقل على هذه الحرب، وثمة حاجة لمليارات الدولارات الأخرى فى المستقبل.وهناك حوالى 10 آلاف عسكرى أمريكى فى أفغانستان حالياً، حوالى 1300 منهم يعملون على التدريب وتقديم الاستشارات، ومساعدة قوات الأمن الأفغانية. ومن بين ذلك العدد يعمل 500 فقط مع القوات الأفغانية خارج كابول، وفى السنة المالية الحالية، قدمت الولايات المتحدة 4.1 مليار دولار لدعم أعضاء قوات الأمن الأفغانية الـ325 ألفاً. هذا بينما رصدت 4.8 مليار دولار أخرى للسنة المقبلة.. وعليه، فالسؤال هو: هل الشعب الأمريكى مستعد لتحمل مسئوليات مماثلة فى سوريا؟ علينا أن نستحضر هنا ما قاله كولن باول عن العراق: «عندما تقوم بكسره، فإنه يصبح من مسئوليتك». ثم هناك سؤال آخر: هل الكونجرس مستعد على الأقل لإعلان حرب ضد سوريا أو على الأقل للتصويت لصالح منح أوباما السلطة القانونية لاستعمال القوة العسكرية الأمريكية ضد قوات الأسد؟ الواقع أن الكلام سهل عندما يتعلق الأمر بالتدخل فى الخارج. ولكن الشيطان، كما العادة، يكمن فى التفاصيل! والواقع أنه فور بدء العمليات العسكرية الروسية فى سوريا، دعا منتقدون أمريكيون لسياسة الرئيس أوباما إلى تدخل أمريكى فى سوريا. ولكن مقاومة أوباما لهذه الدعوات جديرة بالثناء، لأن أى تدخل أمريكى مباشر يمكن أن يؤدى إلى مجابهة خطرة مع روسيا.

وقد ضاق أوباما ذرعاً بمنتقدى سياسته الخارجية - سيما بعد التدخل الروسى فى سوريا الذى قال عنه هنرى كيسنجر إنه قاد إلى الفوضى التامة فى النظام الجغرافى والسياسى فى الشرق الأوسط - ، تساءل الرئيس اوباما: لماذا يبدو الجميع متحمساً لاستخدام القوة العسكرية بعد كل ما شهدناه طيلة عقد كامل من الحروب؟، مضيفاً: «يبدو أيضاً أن العديد من الذين دافعوا عن الحرب فىالعراق لم يتعلموا دروس العقد الماضي، وهم لا يتوقفون عن تكرار المعزوفة نفسها». وأكد أوباما أن مهمته كقائد عام للقوات المسلحة هو «نشر القوة العسكرية فقط كخيار أخير» هذا التصريح يلخص بوضوح الفكرة الأساسية التى تنبنى عليها عقيدة أوباما للسياسة الخارجية والتى ترى أنه سواء تعلق الأمر بسوريا، أم بأوكرانيا، أم بأفريقيا، أم بآسيا، يتعين دائماً تفادى أخطاء جورج بوش عندما أرسل الجنود إلى العراق. أن الأمريكيين يريدون ما قدمه لهم أوباما حتى الآن.. ربما لا يريدون توسعاً فى السياسة الخارجية، لكن فى نفس الوقت يريدون مزيداً من الطموح وقليلاً من المثالية!

كاتب وباحث أكاديمى مصرى

■ خبير فى الشئون السياسية والاستراتيجية