رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللعبة الكبرى بين أمريكا والصين


على الرغم من أن الأوروبيين والأمريكيين لديهم كثير من الرؤى المشتركة تجاه مكانة الصين فإنهم يختلفون حول إدراكهم لصعود الصين، ولا أدل من ذلك المرارة التى شعر بها الأمريكيون من انضمام دول أوروبية حليفة البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية رغم الاعتراضات الأمريكية مما جعل الأمريكيين يطلقون العنان لغضبهم بسبب أن الجهود التى تبذلها كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى سبيل تعزيز مكانتيهما التجاريتين فى العالم تشير إلى أن التاريخ قد يعيد نفسه متمثلاً فى «اللعبة الكبرى» التى درات رحاها فى القرن التاسع عشر، وهى المرحلة التى شهدت تنافساً كبيراً بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية، فى سعيهما للسيطرة على مناطق أواسط آسيا الغنية الاستراتيجية و بالموارد الطبيعية. وهناك العديد من القصص الأمريكية التى تناولت التغلغل الصينى فى الاقتصادات الأوروبية فى الوقت الراهن، حيث أسهمت الصين من قبل بنصيب كبير فى الحيلولة دون سقوط الدول الأوروبية ذات الاقتصادات الأقل تطوراً الواقعة فى جنوب القارة، وذلك عندما استثمرت فى شراء الديون السيادية لتلك الدول. وأن الصين لا تتردد فى استخدام نفوذها الاقتصادى المتنامى فى أوروبا، فى فرض شروطها أو فى الاحتجاج على ما لا يعجبها من شروط فى التعاملات التى تتم بينها وبين الدول الأوروبية ويشيرون إلى المنازعات والاختلافات التجارية بين الطرفين نتيجة لاختلاف ثقافة التجارة والأعمال بين الصين وأوروبا. مشيرين إلى أن العقود العامة فى أوروبا مفتوحة أمام الشركات الصينية، أى مسموح للشركات الصينية بالتقدم بعطاءات ومناقصات للفوز بها، فى حين أن العقود العامة الصينية ليست مفتوحة بنفس الدرجة أمام الشركات الأوروبية التى تضع الحكومة الصينية شروطاً صارمة أمامها من أجل دخول السوق الصينية. ويرى الأمريكيون كذلك أن القوة المالية والاقتصادية الهائلة والمتنامية للصين، وتحولها إلى السوق الأوروبية بعد أن كانت قد غزت الأسواق الأمريكية واليابانية وغيرها من قبل وهو تحول فى غاية الأهمية للاقتصادات الأوروبية المأزومة فى الوقت الراهن، وهو ما يحتم على الحكومات الأوروبية المتعطشة للاستثمارات الصينية أن تعمل على تعديل جميع التشريعات التى تحول دون توسع تلك الاستثمارات، ودون توطيد العلاقات التجارية استيراداً وتصديراً مع الصين. ويعترفون بأن تعديل تلك التشريعات لن يتم بين يوم وليلة وإنما سيكون من خلال مسيرة طويلة، قد تكون من أطول المسيرات التى تخوضها الصين وأوروبا.

كما أن المساعى الأوروبية والأمريكية الرامية إلى التوصل لاتفاق التجارة والتبادل الحر عبر الأطلسى المعروفة باسم «التافتا»، وما يرتبط بتلك المساعى من هواجس واسعة فى صفوف أبناء القارة العجوز ، نظراً للاختلاف الثقافى وافتراق المقاربة البيئية بينهم وبين الشريك الأمريكى، الذى يتبنى معايير تجارية مختلفة بعض الشىء، كما أنه أيضاً، من وجهة نظر أوروبية، أقل حساسية للتحدى البيئى تحديداً. تدخل فى معادلة القوة الاقتصادية بين واشنطن وبكين.

من هنا أهمية تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل« إن من المهم أن تؤدى المحادثات بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة إلى اتفاق قبل ترك الرئيس باراك أوباما الرئاسة فى يناير 2017». وقالت «إن الولايات المتحدة أحد أهم شركائنا التجاريين. وأنها أكبر سوق خارج الاتحاد الأوروبى أكبر بكثير من حتى الصين خاصة لاقتصادنا المعتمد على الصادرات».

لذلك فمن مصلحة وظائفنا وازدهارنا أن نشجع التجارة مع الولايات المتحدة وعدم التخلى عنها لمنافسين من مناطق أخرى» مشيرة إلى الصين.