رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأولمبياد.. منصة للاحتجاجات السياسية


لم يكن إسلام شهاب - رغم تحفظنا على تصرفه، الذى ترتب عليه تداعيات سلبية، تتعلق بالصورة المنافية للروح الرياضية التى تم تصديرها للعالم، عن الرياضيين العرب، ولم نحصد منه شيئا إيجابياً على أرض الواقع - لم يكن شهاب أول المحتجين فى المحفل الرياضى العالمى، ولا أول الخارجين عن الميثاق الأوليمبى الذى يحظر الاستغلال السياسى للألعاب الأوليمبية.

فالأمريكيون الذين يتشدقون بالميثاق الأوليمبى، هم أكثر من انتهكوا هذا الميثاق، وأكثر من استغلوا الألعاب الأوليمبية «كسلاح سياسى» لتأديب خصومهم . فهم الذين قادوا أكبر حملة سياسية ودبلوماسية، لمقاطعة دورة موسكو الأوليمبية عام ١٩٨٠، وذلك بدعوى أن الغزو السوفيتى لأفغانستان، الذى سبق أوليمبياد موسكو بعشرة أشهر، يعد انتهاكا لحقوق الإنسان، وعدوانا على القانون الدولى، وتهديدا للأمن الدولى، وأمن الولايات المتحدة الأمريكية، فى حين أن هذا الغزو كان من قبيل الدفاع عن النفس فى مواجهة المسلحين الإرهابيين الأفغان الذين زرعتهم واشنطن على الحدود الروسية، ودربتهم ومولتهم الاستخبارات الأمريكية، وتحولوا إلى تنظيم القاعدة بعد ذلك، وأسفرت الحملة التى قادتها الإدارة الأمريكية، عن مقاطعة ٥٠ دولة لأوليمبياد موسكو، علما بأن المقاطعة لأسباب سياسية تعد أكبر انتهاك للمبادئ الأوليمبية !

قبل ذالك بـ١٢ عاما تحولت دورة المكسيك الأوليمبية إلى «منصة احتجاج» ضد التمييز العنصرى فى أمريكا، كان أبطال ألعاب القوى الأمريكيون الزنوج، يعلنون احتجاجهم كلما صعدوا لمنصات التتويج، وقد أعطوا ظهورهم للعلم الأمريكى أثناء عزف السلام الأمريكى، وكان هؤلاء الأبطال يرتدون قفازات سوداء، ويرفعون قبضاتهم عاليا وينكسون رءوسهم فوق منصات الشرف، فقامت إدارة البعثة الأمريكية بترحيلهم من الأوليمبياد، رغم حصولهم على ميداليات !

الصين أيضا رفضت مشاركة تايوان فى الألعاب الأوليمبية تحت علم يحمل اسم جمهورية «الصين» الديمقراطية، فكان وفد تايوان الأوليمبى يمشى فى طابور الافتتاح حاملاً علم اللجنة الأوليمبية الدولية، يتقدمه لاعب يحمل لافته تقول «under protest» أى تحت الاحتجاج وتلك قصة أخرى.

وقبيل دورة ريو الحالية، استطاعت واشنطن، من خلال الضغوط السياسية استصدار قرار من المحكمة الرياضية الدولية بحرمان الفريق الروسى من المشاركة فى «أوليمبياد ريو» بدعوى أن نفراً من لاعبى هذا الفريق ثبت تعاطيهم منشطات، وأثار القرار جلبة واسعة فى المجتمع الرياضى الدولى، لكونها المرة الأولى التى توقع فيها عقوبة جماعية على فريق بأكمله، بالمخالفة لأبسط القواعد والمبادئ القانونية التى تفيد بأن العقوبة شخصية، ولم يكن خافياً على أحد أن تلك العقوبة الجائرة، لم تكن بمعزل عن العقوبات الاقتصادية التى اتخذتها أمريكا والاتحاد الأوربى والتى استهدفت محاصرة روسيا اقتصادياً، وتشويه موسكو، وتقليل فرصتها فى حصد ٢٥ ميدالية أوليمبية على الأقل فى منافسات أم اللعبات «ألعاب القوى».. وهكذا كان أوليمبياد ريو دى جانيرو ساحة للحرب البديلة !

ويرجع المـؤرخون «الفضل» فى الاستغلال السياسى للألعاب الأوليمبية إلى الزعيم النازى «أدولف هتلر» الذى جعل دورة برلين الأوليمبية عام ١٩٣٦ بمثابة «فاترينة عرض» للأيديولوجية النازية، وعهد بها لوزير دعايته «جوبلز»، وكان يستهدف وفقا لما قاله المؤرخون، استدراج روسيا وأمريكا إلى مذبحة رياضية، والتفوق على النظامين الرأسمالى والشيوعى، فى ميدان التنافس الرياضى، والتقنى، وإثبات أن «النازية» أو ما أسماها بـ «الاشتراكية العلمية» هى النظام الأمثل لرفاهية وتفوق الشعوب، ومن أجل هذا الهدف، رفع ميزانية تنظيم الأوليمبياد عشرة أضعاف، وبنى أفخم المنشآت وأضخم الاستادات، وأبهرت ألمانيا الدنيا كلها، وتصدرت قائمة الميداليات. لهذا فطن «ستالين» للفخ مبكرا ورفض مشاركة روسيا فى الدورة التى عدت كأعظم الدورات منذ تأسيس الألعاب الأوليمبية عام ١٨٩٦، وحتى أوليمبياد طوكيو عام ١٩٦٠.

وكادت اللجنة الأوليمبية الدولية تسحب تنظيم تلك الدورة من ألمانيا بسبب عنصرية هتلر، التى تجلت فى لوحات معدنية معلقة فوق حوائط القرية الأوليمبية تحمل هذه العبارة «dogs and jews are not allowed» أى ممنوع اصطحاب الكلاب واليهود!

وخلال الدورة، احتج الوفد الأمريكى على تصريحات لـ «هتلر» تتنافى والروح الأوليمبية، خصوصا تصريحه بعد فوز البطل الأمريكى - الزنجى - «جيسى أوينز» بأربع ذهبيات فى ألعاب القوى، إذ لم يوجه الزعيم النارى تهنئته للأمريكيين، وإنما وجه تهنئته للقارة الأفريقية .. التى أنجبت مثل هذا البطل الخارق!