رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوروبا تواجه كارثة "المتهم الخفي".. داعش يخترق أمن القارة العجوز باستراتيجية إرهابية جديدة لتنفيذ هجماته.. وقياداته يلجأون إلى تجنيد المكتئبين ومدمني المخدرات عبر الإنترنت

جريدة الدستور

"إلى كل إخواني، الذين يعيشون في الغرب، أنا أعلم كيف تشعرون لأني كنت أعيش هناك، في قلوبكم تشعرون بالاكتئاب، وعلاج الاكتئاب هو الجهاد"، هكذا أطلق أبو براء الهندي النداء منذ عامين لكل المهاجرين واللاجئين في أوروبا، ليجد النداء صداه في قلوب الكثيرين ممن هم خارج دائرة الاشتباه بأوروبا، لتبدأ الاستجابة بعد نحو عام عبر سلسلة من العمليات الدموية التي زلزلت أرجاء القارة العجوز، وخلّفت عشرات القتلى والمصابين.

قاسم مشترك
المتابع للهجمات الإرهابية التي ضربت أوروبا مؤخرًا، وخصوصًا فرنسا وألمانيا، يلحظ قاسمًا مشتركًا بينها، وهو أن "الاكتئاب"، هو المتهم الخفي في دفع مراهقين لارتكاب مثل تلك الجرائم، بحسب التقارير الأمنية التي أعلنتها الجهات المعنية في معظم الحوادث المذكورة، فضلا عمّا أكدته الشرطة في نفس البلاد أكثر من مرة، بشأن أن هذه الهجمات ليست منظمة كما كان في السابق وإنما هي استقطاب لمكتئبين غير مسجلين لديها، مما يصعّب مهمة قوات الأمن في التصدي لهذا النوع من الهجمات، لانها في هذه الحالة مطالبة بمراقبة أكبر عدد ممكن من المشتبه وغير المشتبه فيهم.

استراتيجية جديدة
ويرى مراقبون وخبراء أن "داعش"، تحول إلى تكتيك جديد، يحرّك به الهجمات داخل أوروبا، بالاعتماد على الشباب الذين يعانون من الاكتئاب والمشاكل النفسية، وأصحاب السوابق الجنائية ومدمني المخدرات، والابتعاد عن كل من له علاقة بالنشاط الإسلامي، وهذا ما يتضح في عمليات الدهس في نيس بفرنسا، وهجمة قطار فورتسبورج، والهجوم الانتحاري بمدينة أنسباخ"، التي كان منفذوها بين مخمور ومكتئب.

غسيل مخ
ويفسر الدكتور أشرف سلامة، الإخصائي النفسي ارتكاب المهاجرين لتلك الجرائم والاستجابة لنداءات داعش قائلًا: إن هناك أكثر من عامل يدفع اللاجئين أو المهاجرين لارتكاب مثل تلك الجرائم يعتبر أهمها عدم وجود علاقات اجتماعية سليمة، وهو ما يؤدي إلى نوع من العزلة والاغتراب في المجتمع فيبدأ الانجذاب لـ"داعش" كوسيلة للهروب من تلك الوَحدة والعزلة ويتم ذلك بسهولة في ظل غياب وضعف الخلفية الدينية.

وأضاف سلامة، في تصريح لـ"الدستور"، أن معظم مرتكبي تلك الجرائم من المراهقين ممن لم تتبلور شخصيتهم بعد فيسهل تعرضهم لنوع من "غسيل مخ" عبر الإنترنت بحثًا عن الاهتمام والشهرة أو حتى نوع من تكوين شخصية مختلفة في ظل غياب التوجيه الأسري.

صكوك غفران
بينما قال الدكتورسعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية إن معظم المهاجرين من منفذي تلك الجرائم يرون أنهم مهمشون ويعانون ماديًا فيعملون في وظائف ضعيفة وبمرتبات قليلة فيتجه بعض منهم للإجرام ثم ما إن يعاني من الاكتئاب الشديد ويرغب في التوبة حتى يجد "داعش" تقدم له عرضًا جذابًا بمثابة "صك غفران"، بأن ينفذ عملية جهادية واحدة وتكفر عنه كل سيئاته فإن قُتل في تلك العملية فهو شهيد وإن نجا حيًا فهو مجاهد بطل وهو ما يُفسر إقدام الكثيرين على قتل أنفسهم بعد تنفيذ العملية وعدم الخوف من الموت.

وأضاف صادق في تصريح لـ"الدستور"، أن هذا النوع من العمليات تحبه وتفضله داعش لأنه يسهل عليها تجنيد هؤلاء الأفراد عبر الإنترنت، لخبرتهم الإجرامية إذ إنهم مقيمون بالفعل في أوروبا، ومن ثم فإن التنظيم غير مضطر لاستقطابهم إلى سوريا أو العراق لتدريبهم وفي نفس الوقت يعرفون الأماكن جيدًا.

وتابع صادق قائلًا، إن داعش تختار الأماكن بذكاء فمثلًا في حادثة "نيس" اختارت مدينة سياحية يقطنها 250 ألف تونسي، فمن السهل دخول شخص تابع لها والإقامة في وسطهم دون أن يشعر به أحد.
وفيما يتعلق بالنوع الثاني من مرتكبي تلك الجرائم ممن ليس لديهم سجل إجرامي قال صادق، إن المجرمين في الفترة العمرية من 14 إلى 30 سنة، تكون فترة اضطراب وتردد، وتستغل داعش ذلك مدعمة بالهالة والإثارة الإعلامية حولها.