رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الرابحون السبعة» من فشل «الانقلاب العسكري» في تركيا.. مصر وإسرائيل على شفا «عودة العلاقات».. ‏سوريا والإخوان «يتنفسان الصعداء».. وأردوغان يأخذ «صكًا شرعيًا» لتصفية معارضيه

جريدة الدستور

قد تكون محاولة الانقلاب العسكري التي شهدتها تركيا يوم الجمعة الماضي، خسارة فادحة لجنرالات ‏وقيادات تلك الحركة العسكرية المتهورة، بعدما طالهم بطش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب ‏استتاب الأمور وإحكام قبضته على مقاليد الحكم، ألا أن المشهد يلقي الضوء بالأحرى على فئات أخرى قد ‏تكون هي الرابحة الوحيدة.‏

سبعة رابحون داخليًا وخارجيًا على عدة أصعدة، من فشل الانقلاب العسكري التركي، وبقاء أردوغان في ‏الحكم، لتستمر مصالحهم معه، وتبقى الأمور على نصابها الأول، حيث بدأت هذه الفئات تتنفس الصعداء ‏بعدما اتجهت المؤشرات نحوهم بقوة.‏

«أردوغان»‏
سواء كانت محاولة الانقلاب العسكري تمثيلية قادها الرئيس التركي، أو تمرد حقيقي داخل المؤسسة ‏العسكرية، فلا بد أن نعتبر أردوغان إحد الرابحين في الحالتين، بعدما إعطاه الفشل الذي لاحق بالانقلاب ‏صكًا شرعيًا لتصفية معارضيه وإقصاء من يقفون في طريقه بدعوى تطهير البلاد ومؤسسة الجيش.‏

في خلال 72 ساعة من عُمر فشل الانقلاب العسكري، استطاع أردوغان المضي قدمًا نحو حقبة استبدادية ‏قوية، تشهدها تركيا في ظل اعتقالات وإقصاءات، حيث ألقت أجهزة الأمن التركية، القبض على 103 من ‏الجنرالات والإميرالات.‏

كما تم إقالة 8 آلاف شرطي في جميع أنحاء البلاد ضمنها إسطنبول والعاصمة أنقرة، وبدأت النيابة العامة ‏في استجواب 27 جنرالًا من بينهم المشتبه في أن يكون زعيم تحركات الجيش، كما إقالة الداخلية التركية ‏‏8777 من موظفيها.‏

وأقالت السلطات التركية 30 محافظًا وأكثر من 50 موظفًا، كما أعلنت السلطات التركية حالة الطوارئ ‏في مدينة إسطنبول، ونشرت 1.8 ألف عنصر من القوات الخاصة في المدينة ومناطق أخرى‎.‎

وجرى فى وقت سابق توقيف العميد «جنكيز قاراجا بي» قائد القاعدة الجوية الخامسة في مدينة ‏‏«مرزيفون» بولاية «أماسيا»، وتخطى عدد الموقوفين في إسطنبول حتى الآن نح 2400 شخص‎.‎

كما أوقفت الشرطة التركية 7 من العاملين في قيادة القاعدة الجوية الثالثة بولاية قونية بينهم قائد الطلعات ‏الجوية مصطفى إرتورك، كما اعتقلت السلطات التركية 114 قاضيًا ونائبًا عامًا، إلى جانب 60 رتبة ‏عسكرية أخرى بعموم البلاد‎.‎

«الإخوان والتيارات الإسلامية»‏
حبست التيارات الإسلامية وقيادات جماعة الإخوان التي تستضيفهم أنقرة أنفاسها فور الإعلان عن جود ‏حركة تمرد في صفوف الجيش التركي، حيث توالت البيانات المنددة والغاضبة منذ مساء الجمعة وحتى ‏فجر السبت، الذي كتبت فيه نهاية الانقلاب العسكري.‏

وتضم تركيا أكثر من 30 قيادي ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان أو التيارات السلفية الجهادية، منذ ثورة ‏‏30 يونيو حتى الآن، إلى جانب المئات من شباب الإخوان الهاربين إليها، حيث استقر عدد كبير منهم في ‏إسطنبول بجانب قياداتهم، والتحقوا بالجامعات العثمانية لاستكمال دراساتهم.‏

وعمت الفرحة الأوساط الإخوانية بعد فشل الانقلاب، وهو ما اتضح في بيان قيادات الجماعة الذي خرج ‏بإمضاء نحو 10 قيادات، رافضًا للانقلاب وقالت فيه: "أن الشعوب ستظل بوعيها هي الضامن الوحيد لكل ‏الهجمات ضد الديمقراطية، وحائط الصد المنيع ضد كل محاولات اختطاف أوطانها".‏

«إسرئيل» ‏
تأتي إسرائيل في المرتبة الثالثة ضمن الرابحون من فشل الانقلاب العسكري، لاسيما أنه وقع في مرحلة ‏تاريخية فاصلة في العلاقات التركية الإسرائيلية، التي شهدت تحسن كبيرًا على يد أردوغان، بعد توقيع ‏الجانبان إتفاقية للتطبيع وعودة العلاقات بينهم.‏

وتنفست تل أبيب الصعداء، عقب فشل التحرك العسكري، لاسيما أن الحكومة الإسرائيلية تعتبر اتفاق ‏تطبيع العلاقات مع أردوغان مصلحة استراتيجية لها ولأنقرة.‏

وتأكيدًا على ذلك كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية النقاب عن أن مكتب أردوغان أرسل رسالة ‏طمأنة إلى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فور بدء حركة الجيش يؤكد فيها أنه لا زال ملتزمًا ‏أمام إسرائيل باتفاق المصالحة مع تل أبيب، وأن تحرك الجيش التركى ضده لن يثنيه عن هذا الاتفاق الذي ‏أوشك على التوقيع عليه.‏

وهو ما اتضح أيضًا في تصريح نتنياهو، خلال الجلسة الإسبوعية للحكومة، الذي قال فيه إن اتفاق ‏المصالحة مع أنقرة كان سيتأثر حال نجاح الانقلاب، مؤكدًا وفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن تركيا ‏وإسرائيل اتفقتا مؤخرًا على عملية مصالحة بينهما، ونفترض أن تلك العملية ستستمر بغض النظر عن ‏الأحداث الدراماتيكية التي وقعت في تركيا‎.‎

«المعارضة السورية»‏
كما كانت المعارضة السورية إحد الرابحين من هذا الفشل، لاسيما أنها تمر بأزمة مستعصية، وتحديدًا في ‏الجبهات في حلب وريف اللاذقية الشماليح بسبب الدعم الكبير الذي يقدمه أردوغان للمعارضة ضد وجود ‏الرئيس السوري بشار الأسدن والذي كان ستأثر بشكل أو بآخر من رحيل الرئيس التركي عن سدة الحكم.‏

وهو ما يتضح في البيان الذي خرج من الائتلاف الوطني السوري المعارض، يهنىء الشعب التركي بفشل ‏محاولة الانقلاب العسكري في البلاد، فيما أسماه الدفاع الناجح عن المؤسسات الديموقراطية، مؤكدًا على ‏أن الشعب التركي الذي يعرف ثمن الحرية لن يسمح لمجموعة من الانقلابيين بعودة النظام العسكري إلى ‏تركيا‎.‎

«قطر»‏
وبسبب العزلة التي تعيش فيها قطر منذ ثلاث سنوات، على إثر خلافات مع جيرانها من الدول العربية، لم ‏تجد سوى تركيا حليفًا لها طوال هذه الفترة، وهو ما دفعها إلى رفض الانقلاب على أردوغان، وتوجيه تميم ‏بن حمد أمير قطر رسالة تهنئة إلى أردوغان بعد فشل الانقلاب.‏

وأكد وقتها إدانته واستنكاره الشديدين لهذه المحاولة الفاشلة ووقوف قطر قيادة وشعبًا، وتضامنها مع ‏الجمهورية التركية الشقيقة في كل الإجراءات التي تتخذها لحماية الشرعية الدستورية وتطبيق القانون ‏والحفاظ على أمنها واستقرارها وحماية مكتسبات شعبها.‏

وقبيل الانقلاب العسكري كانت تمر العلاقات التركية القطرية بما يُشبه "شهر العسل"، بعدما جمعتهم ‏أمور عدة على رأسها دعم الإخوان، والوقوع في مستنقع أزمات مع دول الشرق الاوسط، فخلال الـ 18 ‏شهر الماضية جمع أردوغان وتميم نحو 8 لقاءات لدعم التعاون بينهم، فيعد أردوغان حليف تميم القوي ‏بالمنطقة.‏

‏«الأحزاب السياسة»
وكانت الأحزاب السياسية التركية، أول من أعلن رفضه للانقلاب وتأكيد دعمها للمؤسسات والشخصيات ‏المنتخبة، وهو ما حرم الحركة الانقلابية من ذريعة حمايتها للديمقراطية والحياة السياسية في البلاد‎.
‏ ‏
وعلق الدكتور مصطفى زهران، على الرابحون من فشل الانقلاب، معتبرًا مصر واحدة من المستفدين، في ‏ظل تصريحات متتالية من رئيس الوزرراء التركي "علي يلدرم" التي أكد فيها رغبة بلاده خلال عهد ‏أردوغان بعودة العلاقات مع مصر.‏

وأكد أن إسرائيل ربحت كثيرًا بفشل الانقلاب؛ لأنه جاء تزامنًا مع تطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل، ‏إلى جانب الاستفادة العامة لدول الشرق الأوسط؛ بسبب رغبة تركيا الأخيرة في إصلاح علاقتها معها، ‏وتأمين نفسها اقتصاديًا وتجاريًا بشكل متبادل.‏

ولفت إلى أن الداخل التركي أيضًا سيشهد استقرار في الأوضاع الاقتصادية، ومن الممكن اعتباره رابحًا ‏من فشل الانقلاب؛ لأن الاستقرار السياسي يعطي القطاعات في الداخل دفعة للاستمرار والتقدم.‏

وأوضح الدكتور مصطفى اللباد الخبير في الشؤون التركية، أن أول الرابحون من هذا الفشل هي أحزاب ‏المعارضة التركية التي لم تؤيد الانقلاب رغم خلافاتها العميقة مع أردوغان، لاسيما حزب الشعوب ‏الديمقراطي الكردي الذي رفع أردوغان الحصانة عن 50 من نوابه الـ 59 رغم ذلك عارض الانقلاب.‏‎ ‎

كذلك لم يربح أردوغان من فشل الانقلاب بقدر ما ربحت الديمقراطية في تركيا وأحزاب المعارضة التي ‏غلبت الاعتبارات الديمقراطية على خلافاتها السياسية مع أردوغان، وفقًا لرؤية "اللباد" الذي أكد خلال ‏حوار له مع موقع "قنطرة" العربي، أن المعارضة السورية أيضًا ستكون أولى الرابحين حتى لا تخسر ‏دعم أردوغان الكبير لها.‏