«الرابحون السبعة» من فشل «الانقلاب العسكري» في تركيا.. مصر وإسرائيل على شفا «عودة العلاقات».. سوريا والإخوان «يتنفسان الصعداء».. وأردوغان يأخذ «صكًا شرعيًا» لتصفية معارضيه
قد تكون محاولة الانقلاب العسكري التي شهدتها تركيا يوم الجمعة الماضي، خسارة فادحة لجنرالات وقيادات تلك الحركة العسكرية المتهورة، بعدما طالهم بطش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب استتاب الأمور وإحكام قبضته على مقاليد الحكم، ألا أن المشهد يلقي الضوء بالأحرى على فئات أخرى قد تكون هي الرابحة الوحيدة.
سبعة رابحون داخليًا وخارجيًا على عدة أصعدة، من فشل الانقلاب العسكري التركي، وبقاء أردوغان في الحكم، لتستمر مصالحهم معه، وتبقى الأمور على نصابها الأول، حيث بدأت هذه الفئات تتنفس الصعداء بعدما اتجهت المؤشرات نحوهم بقوة.
«أردوغان»
سواء كانت محاولة الانقلاب العسكري تمثيلية قادها الرئيس التركي، أو تمرد حقيقي داخل المؤسسة العسكرية، فلا بد أن نعتبر أردوغان إحد الرابحين في الحالتين، بعدما إعطاه الفشل الذي لاحق بالانقلاب صكًا شرعيًا لتصفية معارضيه وإقصاء من يقفون في طريقه بدعوى تطهير البلاد ومؤسسة الجيش.
في خلال 72 ساعة من عُمر فشل الانقلاب العسكري، استطاع أردوغان المضي قدمًا نحو حقبة استبدادية قوية، تشهدها تركيا في ظل اعتقالات وإقصاءات، حيث ألقت أجهزة الأمن التركية، القبض على 103 من الجنرالات والإميرالات.
كما تم إقالة 8 آلاف شرطي في جميع أنحاء البلاد ضمنها إسطنبول والعاصمة أنقرة، وبدأت النيابة العامة في استجواب 27 جنرالًا من بينهم المشتبه في أن يكون زعيم تحركات الجيش، كما إقالة الداخلية التركية 8777 من موظفيها.
وأقالت السلطات التركية 30 محافظًا وأكثر من 50 موظفًا، كما أعلنت السلطات التركية حالة الطوارئ في مدينة إسطنبول، ونشرت 1.8 ألف عنصر من القوات الخاصة في المدينة ومناطق أخرى.
وجرى فى وقت سابق توقيف العميد «جنكيز قاراجا بي» قائد القاعدة الجوية الخامسة في مدينة «مرزيفون» بولاية «أماسيا»، وتخطى عدد الموقوفين في إسطنبول حتى الآن نح 2400 شخص.
كما أوقفت الشرطة التركية 7 من العاملين في قيادة القاعدة الجوية الثالثة بولاية قونية بينهم قائد الطلعات الجوية مصطفى إرتورك، كما اعتقلت السلطات التركية 114 قاضيًا ونائبًا عامًا، إلى جانب 60 رتبة عسكرية أخرى بعموم البلاد.
«الإخوان والتيارات الإسلامية»
حبست التيارات الإسلامية وقيادات جماعة الإخوان التي تستضيفهم أنقرة أنفاسها فور الإعلان عن جود حركة تمرد في صفوف الجيش التركي، حيث توالت البيانات المنددة والغاضبة منذ مساء الجمعة وحتى فجر السبت، الذي كتبت فيه نهاية الانقلاب العسكري.
وتضم تركيا أكثر من 30 قيادي ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان أو التيارات السلفية الجهادية، منذ ثورة 30 يونيو حتى الآن، إلى جانب المئات من شباب الإخوان الهاربين إليها، حيث استقر عدد كبير منهم في إسطنبول بجانب قياداتهم، والتحقوا بالجامعات العثمانية لاستكمال دراساتهم.
وعمت الفرحة الأوساط الإخوانية بعد فشل الانقلاب، وهو ما اتضح في بيان قيادات الجماعة الذي خرج بإمضاء نحو 10 قيادات، رافضًا للانقلاب وقالت فيه: "أن الشعوب ستظل بوعيها هي الضامن الوحيد لكل الهجمات ضد الديمقراطية، وحائط الصد المنيع ضد كل محاولات اختطاف أوطانها".
«إسرئيل»
تأتي إسرائيل في المرتبة الثالثة ضمن الرابحون من فشل الانقلاب العسكري، لاسيما أنه وقع في مرحلة تاريخية فاصلة في العلاقات التركية الإسرائيلية، التي شهدت تحسن كبيرًا على يد أردوغان، بعد توقيع الجانبان إتفاقية للتطبيع وعودة العلاقات بينهم.
وتنفست تل أبيب الصعداء، عقب فشل التحرك العسكري، لاسيما أن الحكومة الإسرائيلية تعتبر اتفاق تطبيع العلاقات مع أردوغان مصلحة استراتيجية لها ولأنقرة.
وتأكيدًا على ذلك كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية النقاب عن أن مكتب أردوغان أرسل رسالة طمأنة إلى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فور بدء حركة الجيش يؤكد فيها أنه لا زال ملتزمًا أمام إسرائيل باتفاق المصالحة مع تل أبيب، وأن تحرك الجيش التركى ضده لن يثنيه عن هذا الاتفاق الذي أوشك على التوقيع عليه.
وهو ما اتضح أيضًا في تصريح نتنياهو، خلال الجلسة الإسبوعية للحكومة، الذي قال فيه إن اتفاق المصالحة مع أنقرة كان سيتأثر حال نجاح الانقلاب، مؤكدًا وفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن تركيا وإسرائيل اتفقتا مؤخرًا على عملية مصالحة بينهما، ونفترض أن تلك العملية ستستمر بغض النظر عن الأحداث الدراماتيكية التي وقعت في تركيا.
«المعارضة السورية»
كما كانت المعارضة السورية إحد الرابحين من هذا الفشل، لاسيما أنها تمر بأزمة مستعصية، وتحديدًا في الجبهات في حلب وريف اللاذقية الشماليح بسبب الدعم الكبير الذي يقدمه أردوغان للمعارضة ضد وجود الرئيس السوري بشار الأسدن والذي كان ستأثر بشكل أو بآخر من رحيل الرئيس التركي عن سدة الحكم.
وهو ما يتضح في البيان الذي خرج من الائتلاف الوطني السوري المعارض، يهنىء الشعب التركي بفشل محاولة الانقلاب العسكري في البلاد، فيما أسماه الدفاع الناجح عن المؤسسات الديموقراطية، مؤكدًا على أن الشعب التركي الذي يعرف ثمن الحرية لن يسمح لمجموعة من الانقلابيين بعودة النظام العسكري إلى تركيا.
«قطر»
وبسبب العزلة التي تعيش فيها قطر منذ ثلاث سنوات، على إثر خلافات مع جيرانها من الدول العربية، لم تجد سوى تركيا حليفًا لها طوال هذه الفترة، وهو ما دفعها إلى رفض الانقلاب على أردوغان، وتوجيه تميم بن حمد أمير قطر رسالة تهنئة إلى أردوغان بعد فشل الانقلاب.
وأكد وقتها إدانته واستنكاره الشديدين لهذه المحاولة الفاشلة ووقوف قطر قيادة وشعبًا، وتضامنها مع الجمهورية التركية الشقيقة في كل الإجراءات التي تتخذها لحماية الشرعية الدستورية وتطبيق القانون والحفاظ على أمنها واستقرارها وحماية مكتسبات شعبها.
وقبيل الانقلاب العسكري كانت تمر العلاقات التركية القطرية بما يُشبه "شهر العسل"، بعدما جمعتهم أمور عدة على رأسها دعم الإخوان، والوقوع في مستنقع أزمات مع دول الشرق الاوسط، فخلال الـ 18 شهر الماضية جمع أردوغان وتميم نحو 8 لقاءات لدعم التعاون بينهم، فيعد أردوغان حليف تميم القوي بالمنطقة.
«الأحزاب السياسة»
وكانت الأحزاب السياسية التركية، أول من أعلن رفضه للانقلاب وتأكيد دعمها للمؤسسات والشخصيات المنتخبة، وهو ما حرم الحركة الانقلابية من ذريعة حمايتها للديمقراطية والحياة السياسية في البلاد.
وعلق الدكتور مصطفى زهران، على الرابحون من فشل الانقلاب، معتبرًا مصر واحدة من المستفدين، في ظل تصريحات متتالية من رئيس الوزرراء التركي "علي يلدرم" التي أكد فيها رغبة بلاده خلال عهد أردوغان بعودة العلاقات مع مصر.
وأكد أن إسرائيل ربحت كثيرًا بفشل الانقلاب؛ لأنه جاء تزامنًا مع تطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل، إلى جانب الاستفادة العامة لدول الشرق الأوسط؛ بسبب رغبة تركيا الأخيرة في إصلاح علاقتها معها، وتأمين نفسها اقتصاديًا وتجاريًا بشكل متبادل.
ولفت إلى أن الداخل التركي أيضًا سيشهد استقرار في الأوضاع الاقتصادية، ومن الممكن اعتباره رابحًا من فشل الانقلاب؛ لأن الاستقرار السياسي يعطي القطاعات في الداخل دفعة للاستمرار والتقدم.
وأوضح الدكتور مصطفى اللباد الخبير في الشؤون التركية، أن أول الرابحون من هذا الفشل هي أحزاب المعارضة التركية التي لم تؤيد الانقلاب رغم خلافاتها العميقة مع أردوغان، لاسيما حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي رفع أردوغان الحصانة عن 50 من نوابه الـ 59 رغم ذلك عارض الانقلاب.
كذلك لم يربح أردوغان من فشل الانقلاب بقدر ما ربحت الديمقراطية في تركيا وأحزاب المعارضة التي غلبت الاعتبارات الديمقراطية على خلافاتها السياسية مع أردوغان، وفقًا لرؤية "اللباد" الذي أكد خلال حوار له مع موقع "قنطرة" العربي، أن المعارضة السورية أيضًا ستكون أولى الرابحين حتى لا تخسر دعم أردوغان الكبير لها.