رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البقية فى حياتى


أسوأ خبر سمعته هذا الأسبوع كان خبر وفاتى، كنت بمحطة البنزين وجاءنى مواطن يسألنى مش حضرتك فلان الفلانى ؟ وتنهد قبل أن يقول: طيب.. الحمد لله..ربنا يديك طولة العمر!

وقال أصل أنا من قرائك .. وقرأت على المواقع الإخبارية خبراً يقول: إن رابطة النقاد الرياضيين، من قبيل تخليد أسماء.

النقد الرياضى الراحلين، قررت إطلاق أسماء نجيب المستكاوى وعبد المجيد نعمان وسعيد وهبة على أسماء الفرق المشاركة فى الدورة الرمضانية، التى يشارك بها الصحفيون الرياضيون، وأنا أعرف أن نعمان ونجيب المستكاوى فى ذمة الله..أنا آسف فقد ظننت أنك..فابتسمت وقلت مداعباً: مش يمكن الخبر صحيح؟ دعنا ننتظر حتى الغد، ونتأكد من صفحة الوفيات بالأهرام..وعلى كل حال .. البقية فى حياتى!.

وعلمت فى ذات اليوم نفسه أن عدداً من تلامذتى الأوفياء فى الصحافة الرياضية، أطلقوا اسمى على فريق يمثل صحيفة «الوطن» من قبيل التكريم.وكان ذلك سبب الالتباس الذى حصل.

ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى أتلقى فيها خبر وفاتى وأستقبله بروح رياضية، فالموت علينا حق، وكثيرا ما حدث هذا الالتباس مع كثيرين غيرى، وبحسن نية، وأذكر فى مثل هذه الأيام من شهر رمضان قبل عدة سنوات، كنت ضيفا فى سهرة رمضانية بأحد البرامج الرياضية، حين التقيت فى الاستراحة، قبل البرنامج، كابتن مصر ونادى الزمالك «يكن حسين»، ومعه لاعب الأهلى القديم» «علوى مطر»، وبادرنى يكن قائلا: عرفت اللى حصل «لعادل هيكل»؟

وأدركت أنه بصدد استدراجنا لحكاية من نوادره الطريفة، فقد كان رحمه الله من جيل الظرفاء فى ملاعب الكرة، وكانت تربطه صداقة عمر بنجوم الأهلى صالح سليم وعادل هيكل ورفعت الفناجيلى وطارق سليم والشربينى، وكان فضلا عن الصداقة يسكن بجوار عادل هيكل بحى المعادى.

قلت: أنا عرفت إنه تعرض لأزمة صحية حادة، وربنا يقومه بالسلامة، هات ما عندك. قال: أنا كنت فى النادى وجاء أحد الأعضاء يقول: عادل هيكل، فقلت: اشمعنى ؟ قال تعيش أنت!

يقول يكن: انتفضت من مكانى وقلت مش ممكن يحصل دون أن تخبرنى زوجته، ومع ذلك طلبت رقمه وانتظرت أن يرد على أحد، فجاءنى صوت خافت وغير مسموع فقلت: مين معايا، فسمعت بصعوبه: أنا عادل هيكل يا يكن!

قال: هو أنت مش مت يا عادل.. ولا لسه عايش، أصل أنا سمعت أنك مت، وزعلت جدا إن ما حدش بلغنى وعرفت الخبر بالصدفة.

قال: أنا كنت ميت فعلا لكن صحيت بصدمة كهربية على القلب، إرادة ربنا..لسه فى العمر بقية، ادعى لى يا يكن.

قال يكن معاتبا: يعنى مت يا عادل وأنا آخر من يعلم؟ بقى ده اسمه كلام، دى ما كانتش عشرة عمر، إزاى مراتك ما تبلغنيش ؟ قال:

يعنى كنت هتعمل إيه بس يا يكن؟ قال: كان لازم أكون جنبك، وأشيلك على كتفى و.. وأدفنك بنفسى..دإحنا عيش وملح يا عادل..هاها..هاها..!

كان يكن يروى الواقعة وهو يضحك، يتحدث عن الموت بلا وجل، فقد كان مؤمنا بالقضاء والقدر، لكن الإيمان بالقضاء والقدر لا يمنع الخوف من الموت، وقد كان هذا هو حال الكابتن «حنفى بسطان»، نجم الزمالك فى الخمسينيات، الذى كان ينسحب من الجلسة، إذا تلقى الحاضرون نبأ وفاة أحد المعارف، وكان يعود إلى منزله، هربا من الموت..ولا يظهر فى النادى لعدة أيام.

ويوم علم بوفاة صديق عمره وتوأمه الروحى «محمد الجندى» نجم الأهلى السابق، غادر المكان وعاد إلى بيته، وصعد إلى السرير، وتغطى بالبطانية ورفض الحديث مع أحد، وإن هى إلا أيام حتى رحل عن الدنيا، ليلتحق بصديق عمره فى الرفيق الأعلى.

وكان العنوان الذى كتبته: «مات كابتن الزمالك حزنا على رحيل كابتن الأهلى»، فقد كانت الصداقة بين نجوم الأهلى والزمالك مضرب الأمثال، فى ذلك الزمن الجميل، وقبل أن تتغير الدنيا، ويدخل الاحتراف، وتصبح الفلوس هى معيار كل شيء، وتموت الهواية، وتموت معها الروح الرياضية، وقبل ظهور إعلام الفضائيات الرياضى، الذى

يعيش على نشر التعصب والبغضاء والفتن بين الأندية والجماهير واللاعبين، والذى كانت خناقة «شوبير والطيب» بالشلاليت والبونيات على الشاشة، آخر تجلياته.