رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كل عام وأنتم بخير أيها القراء الكرام، أهل علينا رمضان بالبركات والتبريكات، يعرف هذا الشهر الكريم عند أهل العلم وعند العامة كذلك، بشهر الصوم وشهر القرآن وشهر البركات وشهر التراويح وشهر التلاوة وشهر موائد الخير، بركات هذا الشهر كثيرة حيث تكثر الخيرات والصدقات، وتصفو القلوب وتتوب الى الله تعالى ، ويأتى الصوم لتطهر النفوس رغبة فى منزلة التقوى التى أشار إليها القرآن الكريم «لعلكم تتقون»...

رمضان والجنة «3-3»


... ونستكمل هنا بعض الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة عن هذا الشهر الكريم الذى يصوم فيه المسلمون، وقد وعدهم الله تعالى بباب خاص فى الجنة، هو باب الريان، يدخل منه الصائمون فقط ولا يدخل منه غيرهم . لك أن تتصور أيها القارئ الكريم، معنى أن يخصص الله تعالى بابا للصائمين وحدهم، أين كانوا وحيث كانوا، ويجمعهم للدخول من باب واحد.

عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح أنه قال لأصحابه يومًا: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟»، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟»، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟»، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّى لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِى أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاكَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ» رواه البخارى. وهذه البشرى العظيمة لنا أيها القراء، ولغيرنا من الأمم، فالجنة من رحمة الله تعالى لنا ولغيرنا ممن يتعرضون لهذه الرحمة العظيمة لسبب أو لآخر.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خُيِّرت بين أن يدخل نصف أمتى الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة، لأنها أعم وأكثر أترونها للمتقين؟ لا؛ ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين». فهل بعد هذا الحديث أيها القراء من يحكم فى الدنيا على غيره أو يقيم من نفسه حكما على الآخرين، فيقتل كما يفعل السفهاء والإرهابيون.

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِى خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً؛ فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ النَّارِ».

وعَنْ صُهَيْبٍ رضى الله تعالى عنه عَنْ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ، فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟»، قَالَ: «فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وهى الزيادة» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ، وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْقَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ، أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

وفى الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلى قال: كُنّا جلوسًا مع النبى صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: «إنكم سترون ربكم عيانًا كما ترون هذا لا تضامون فى رؤيته».

أيها القارئ الكريم دع الناس من العلماء يختصمون كيف تكون الرؤية ، فهذا الحديث للنبى صلى الله عليه وسلم يؤكد الرؤية عيانا ، وكل منا يراه حسب الرزق والنعمة. وعليك وعلينا التركيز على موجبات الرحمة والمغفرة ومن ذلك الصوم والقيام خصوصا فى العشر الأواخر من رمضان فقد نصادف فيها ليلة القدر.

قال النبى صلى الله عليه وسلم: «يُنَادِى مُنَادٍ -يعنى فى أهل الجنة-: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا»، وهذا أيها القراء الكرام من رحمة الله تعالى ومن فضله العظيم على عباده الصالحين.

وَعنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: «أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا». ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إِنِّى أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمْ فِى النَّاسِ إِلا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِى جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِى جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ».

أدعو الله تعالى أيها القارئ الكريم فى هذا الشهر الكريم، أن نكون من أهل الصوم وأهل القرآن وأهل الجنة ، فهذا الشهر الكريم فيه ليلة خير من ألف شهر هى ليلة القدر، لعلها تصيبنا أو لعلنا نسعد بأن نصادفها بالقدر الجميل، وقد سألت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها وأرضاها، سألت، النبى صلى الله عليه وسلم عن الدعاء إذا صادفت ليلة القدر، فقال لها : قولى اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنى»، هذا مما يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم، أن ندعو بما هى أبقى وأعلى دون الأدنى، فاللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا جميعا، فالعفو من شيمك وقد أحسن القائل : إن عظمت ذنوبى عن الغفران لى أمل ** فى الله يجعلنى فى خير معتصم

ويقول بعض العلماء: لابد من الاستعداد لرمضان بخطوتين « الشوق وبصيرة القلب». أما الشوق فهو عملية غليان القلب لاستقبال محبوب طال انتظاره، وأما البصيرة فإنها تجعل الإنسان يرى: فضل الأيام وثمرة الأعمال، ووعود الآخرة فيكون ذلك دافعا لعلو الهمة فى الاستقبال والاستعداد»، كما يقول بعضهم:

«رجب شهر الغرس، وشعبان شهر السقى، ورمضان شهر جنى الثمار». وقد مضى شهر رجب وشهر شعبان ولايزال رمضان أمامنا للاجتهاد فيه وجنى الثمار».

وبالله التوفيق