رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا تراجعت الأمم المتحدة عن اتهام السعودية بقتل أطفال اليمن؟ كواليس ما دار داخل الغرف المغلقة بين «أمراء البترودولار» وعواصم القرار الكبرى لإلغاء القرار

جريدة الدستور


تراجع الأمم المتحدة عن إدراج التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، من قائمتها السوداء للدول والجماعات التي تنتهك حقوق الأطفال، بعد أقل من أسبوع، ينطوي على كثير من الكواليس، والتفاصيل التي دارت داخل أروقة الأمم المتحدة، وهو ما ألمحت إليه عدد من الصحف العالمية.

ضغوط كبيرة
مجلة «فورين بوليسي» كانت أول من أشار إلى تعرض المنظمة الأممية الأولى في العالم، إلى ضغوط كبيرة، جعلتها تتراجع عن القرار، الذي اتهمت فيه التحالف، بالمسؤولية عن 60 % من الوفيات والإصابات بين الأطفال في اليمن، العام الماضي.

وبحسب المجلة الأمريكية، فإنه فور إعلان قرار الأمم المتحدة ضد السعودية، هددت الرياض بسحب مئات الملايين من الدولارات، من البرامج الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، إذا لم يُرفع اسمها من القائمة السوداء لقتل وتشويه الأطفال في اليمن.

تهديد بقطع العلاقات
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل هدد كبار الدبلوماسيين السعوديين، بينهم وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كبار المسؤولين في الأمم المتحدة من أن الرياض ستستخدم نفوذها لإقناع الحكومات العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لقطع العلاقات مع الأمم المتحدة.

وبالإضافة إلى الضغوط التي مارستها السعودية وعواصم غربية وأعضاء في مجلس الأمن على الأمم المتحدة، لوحت الرياض بالتأثير على مسار محادثات السلام اليمنية في الكويت، ما أدى إلى رضوخ الأمم المتحدة لأمراء البترودولار بقيادة السعودية.

انتقادات حقوقية
صحيفة «التلجراف» البريطانية، لم تكن ببعيد عما جرى خلف الكواليس، إذ قالت إنه على الرغم من أن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أكد أن القرار مؤقت، وفي انتظار إعادة النظر في الأدلة، أعرب نشطاء في مجال حقوق الإنسان عن سخطهم من أن الهيئة العالمية قد استسلمت ورضخت للضغوط.

وهو ما أدى إلى خروج موجة من الانتقادات الواسعة والحادة تجاه الأمم المتحدة من جانب منظمات حقوق الإنسان، التي اتهمت بان كي مون برضوخه للتهديدات السعودية، حيث قال فيليب بولوبيون، نائب مدير منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن قرار رفع التحالف السعودي من القائمة السوداء تسييس مكشوف، ويبرز مستوى جديد من الانحطاط في الأمم المتحدة.

كما اتهم بولوبيون، الأمين العام بالاستسلام للضغوط السعودية، خاصة أن هذا القرار يفسح المجال أمام التلاعب السياسي، ويفقد المنظمة مصداقيتها ويسيء إلى إرث «بان كي مون» في مجال حقوق الإنسان.

ورقة المساعدات
لا تستطيع الأمم المتحدة إعادة إدراج التحالف على القائمة السوداء، وهو ما أكدته مصادر دبلوماسية عديدة، خاصة وأن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) سوف تتضرر على نحو خاص لأن السعودية هي رابع أكبر مانح للأونروا بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وقدمت قرابة 100 مليون دولار للوكالة العام الماضي، كما أن الكويت والإمارات العضوين في التحالف مانحتان كبيرتان للأونروا إذ قدمتا للوكالة قرابة 50 مليون دولار في 2015.

وإلى جانب الضغوطات المالية هناك ضغوطات دولية حيث قالت مصادر دبلوماسية إن مكالمات من وزراء خارجية دول خليجية عربية وزراء من منظمة التعاون الإسلامي،على رأسها مصر، والأردن، والكويت، وقطر، وبنجلاديش، انهالت على مكتب الأمين العام بعد إعلان إدراج التحالف على القائمة السوداء الأسبوع الماضي، وتحدث مسؤول بالأمم المتحدة عن ضغوط من هنا وهناك لهذا السبب.

ماذا وراء القرار؟
ربما هي حرب على السنة، كما وصفها الكاتب والإعلامي السوري، الدكتور أحمد موفق زيدان، على حسابه بموقع «تويتر»، ويعزز من هذا الاتجاه، أن القرار تزامن مع إعلان واشنطن للمرة الأولى أن جماعة الحوثيين منظمة غير إرهابية، بل جهة في المشاورات السياسية الجارية في الكويت، لوضع حد للحرب الدائرة في اليمن.

وقد يكون السبب، ما قاله الكاتب اليمنى تميم القحطاني، بشأن أن أمريكا تسعى عبر العديد من المسارات لعرقلة أي قرار للحسم العسكري في اليمن، مشددًا على أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي نية حسم سعودية في الملف اليمني يقضي على مشروع أمريكا الخفي في المنطقة المتنكر بـ«قناع إيران».

ضربة في رأس المملكة
وهذا الموقف، الذي جاء من دون مناسبة تذكر، عدَّه الكثيرون ضربة في رأس المملكة، التي تواصل دعمها لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ورسالة بضرورة تقديم تنازلات كبيرة في محادثات السلام، خاصة وأن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا تتهم الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين بالانحياز إلى الحوثيين خلال محادثات السلام، بل وإن أطرافا في هذه الحكومة تتهم سفيرة الاتحاد الأوروبي صراحةً بأنها تعمل كمستشارة للحوثيين فى اليمن.

وقال مراقبون سياسيون إنه بات من الواضح حقيقة الضغوطات الدولية التي يتعرض لها التحالف، خاصة مع استمرار مفاوضات الكويت بين الأطراف اليمنية والتي ترعاها الأمم المتحدة والمستمرة منذ أكثر من 50 يومًا.