رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قبل أن يضيع وطنى.. أفيقوا يرحمكم الله


جانب آخر يثير استغرابى حقاً وأراه قد شتت فكر ووحدة الشعب الحائر الذى خسر ثورته وسيخسر وطنه إذا استمر الرئيس على هذا العناد متحدياً شعبه بواسطة الاحتماء بأنصاره كلما أراد أن ينفذ أمراً يصر وجماعته عليه.

ما الذى يجرى الآن فى وطنى الحبيب؟! أهو التقسيم الذى خطط له العدو ويسعى بكل جهده لتنفيذ مؤامرته من خلال تقطيع أواصر الروابط الاجتماعية لكل طوائف الشعب.

أعتقد هو ذاك بالفعل.. إذ كيف نفسر حالة التفرقة والتشرذم الموجودة حالياً بين أبناء البيت الواحد؟! مشاكل واعتداءات باضرب والسب فى الشارع.. فىالبيت.. فى العمل.. فى المواصلات.. كل ذلك بسبب الاعلان غير الدستورى والدستور الجديد بين أنصار ومعارضى د. مرسى.. إذ كيف تفسر ما حدث أمس الأول أمام الاتحادية والاتهامات المتبادلة بأن هذا إخوانى والآخر فلول!! وهذا سلفى وأخوه ليبرالى وتلك جماعة إسلامية أو جهادية وغيرها ناصرية، وهكذا أصبحت مصر فرقاً وشيعاً.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

لقد سمعت بأذنى وشاهدت بعينى هذا الرجل ذا اللحية الطويلة التى تنم ملامحه عن وقار عالم.. لكن واحسرتاه عندما استخدم الميكروفون مخاطباً الحشود التى خرجت لتأييد إعلان ودستور د. مرسى يوم السبت الماضى والتى سموها مليونية «الشرعية والشريعة».. يقول هذا الملتحى «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار».. وكان يقصد بكلامه المعتصمين فى ميدان التحرير الذين يعارضون الرئيس!!

إن شخصاً بهذه العقلية لا يجب أن يكون واجهة لا للإخوان المسلمين ولا للسلفيين ولا لأى فصيل يغلف نفسه بصبغة إسلامية.. لأن هذه الكلمات لم تطلق إلا فى غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضد المشركين ولمثل هذا الرجل أوجه سؤالى: «هل الموجودون فى الميدان مشركون إلى الحد الذى تراه بهذه القتامة»؟ ثم ألم تقرأ ذات مرة قول سيد الخلق عندما قال: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول فى النار» إنها والله الفتنة بين أبناء مصر والتحريض على اقتتال بعضهم البعض.

المشهد الثانى الذى صدمنى فعلاً هو هذا الجمع الغفير الذى حاصر المحكمة الدستورية العليا من أنصار د. مرسى وهنا أطرح سؤالى على أصحاب الرؤي والفكر من الإخوان: هل هذه السُنة التى سلكتموها لفرض آرائكم وتنفيذ أهوائكم على واحد من أعظم منابر القضاء العالمى وقمة الهرم القضائى المصرى هى التى ستضمن لكم البقاء وبسط النفوذ؟! ثم لماذا كل هذه الخشية من أحكام الدستورية العليا ومن عناصرها إذا كان د. مرسى نفسه، قد أشاد بالقضاة وتاريخهم.. أليس هؤلاء بمكوناتهم المعارضة والمؤيدة للإخوان هم من أنصفوهم قديماً وحديثاً حتى خرجوا من المعتقلات لسدة الحكم؟! سأترك الإجابة عن هذه الأسئلة للقارئ.

جانب آخر يثير استغرابى حقاً وأراه قد شتت فكر ووحدة الشعب الحائر الذى خسر ثورته وسيخسر وطنه إذا استمر الرئيس على هذا العناد متحدياً شعبه بواسطة الاحتماء بأنصاره كلما أراد أن ينفذ أمراً يصر وجماعته عليه.. المشهد الثالث الذى شعرت معه بخنجر يغرس فى صدرى هو عدم وجود أى حماية تذكر أمام الدستورية العليا مع تزامن النطق بالحكم فى قضيتى التأسيسية والشورى.. سواء من وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية.. يا سبحان الله.. لقد ظهر هذا المنحى الخطير أمام الشعب.. وبات مؤكداً أن هناك أمراً يجرى، تلفظه ثورة 25 يناير التى اتسمت بوحدة الجيش والشعب معاً.

وللجميع أقول «إن الثورة تأبى الموت قبل أن تحقق أهدافها.. وأرجو الله أن يستبصر د. مرسى حقيقة الموقف الراهن.. ولو كان قلة من المعارضين فى ميدان التحرير من الفلول فإن أكثرهم من الشرفاء الذين دفعوا من سمعتهم وكرامتهم واستقرارهم الكثير فى سبيل وطنهم، فى الوقت الذى حرصت فيه «الجماعة» على التناغم التام مع النظام السابق.. فلا خير فينا إن لم نقلها.. ولا خير فيكم إن لم تسمعوها.

ما سبق يجعلنى أنصح الرئيس أن ينزل إلى الشارع.. فى القرى والنجوع.. فى المدن والمحافظات ليرى بأم عينه ويشاهد بنفسه أن أفراد الأسرة الواحدة الآن أصبحوا أعداءً.. فهذا مؤيد لكل ما يقول الرئيس من باب السمع والطاعة.. وذاك معارض وله وجهة نظره التي يجب احترامها ضد نهج الرئيس وما وضع فيه الشعب بين خيارين أحلاهما «مُر».. الخيار الأول إعلان غير دستورى صدر عن الرئاسة فى 22 نوفمبر لا يخدم ولا يحقق ولا يُعمق أهداف الثورة وتحقيق مطالبها بأى حال.. وإن كان قد شمل قرارات مثل تغيير النائب العام وإعادة محاكمة قتلة الثوار التي نتمسك بها جميعاً.. فهذه الأمور كان يمكن النظر إليها دون أن تصدر بتحصين قرارات الرئيس ودون تنصيبه حاكماً بأمره.. بل بتطهير القضاء من خلال قانون ديمقراطى ثورى للسلطة القضائية مع توسيع نطاق الحريات على جميع المستويات، كما أكد ذلك العديد من المثقفين والأدباء والفنانين الوطنيين الحريصين على وحدة الوطن وسلامة شعبه وأراضيه.

أما الخيار الثانى، فهو السعى لتمرير دستور مختلف عليه بين القوى الوطنية والسياسية.. وذلك لأن الجمعية التأسيسية التى صاغته غير منتخبة مباشرة.. يضاف إلى ذلك استقالة العديد من أعضائها احتجاجاً على مضمون الدستور الذى لا يحقق الحد الأدنى من آمال الشعب بعد ثورته المجيدة.. ولهذا يرى كثيرون وأنا منهم أن ما يحدث فى هذا المسار ما هو إلا محاولة لتضييق الخناق على الحريات وبـ«القانون»!!! فضلاً عن تقنين عدم التزام الدولة بحقوق الطبقات الكادحة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية.

تلخيصاً.. إننى أرى أن النظام الحالى سيكون سلطوياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. وهذا يعنى أن نحذر من الوقوف فى خندق النظام السابق ضد النظام الحالى.. فكلاهما وجهان لعملة واحدة.. والحل يكمن فى توحيد الصف.. سواء من جانب الإخوان وأنصارهم.. أو القوى المعارضة حتى يصل الجميع إلى توافق يرضى كافة الشركاء وفى مقدمتهم الكنيسة والنوبة والقضاة والصحفيين.. والله من وراء القصد.

■ كاتب صحفى

mabdeen هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.