رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشعب يسترد ثورته


السمة البارزة منذ انتخاب الرئيس مرسى أن مصر أصبحت متعثرة الخطوات بشكل لم يسبق له مثيل. وأصاب من يرى أن مصر لم تبدو متعثرة الخطوات هكذا منذ أكثر من ستين عاماً. لم تتعثر خطواتها وهى تواجه حرب السويس فى عام 1956،

بعد أن أممت قناة السويس، كما لم تبد مصر فى مثل هذه الحالة حتى عندما فاجأتها ضربة الهزيمة العسكرية فى يونيو من عام 1967، بل إن مصر لم تتعثر هكذا، عندما فقدت زعيمها العظيم جمال عبد الناصر فى أكثر لحظات حاجتها إليه فى عام 1970.

ويبدو أن تعثر مصر بدأ مع رئاسة الدكتور محمد مرسى أكثر منه مع ثورة «25 يناير» 2011. هذه الثورة التى بدا أن غياب القيادة فيها سهل اضطرابها، كما سهل سرقتها من قوة لم تدخل مضمارها إلا بعد أن كانت الثورة قد تأكدت وبرهنت أنها ستنجح فى الإطاحة بنظام حسنى مبارك وفريق رجال الأعمال الذى شاركه الحكم وشاركه النهب من ثروات مصر.

وزاد التعثر مع مفاجأة الرئيس لشعبه بالإعلان الدستورى الذى يريد فرضه ليحكم حكماً مطلقاً تغيب عنه الديمقراطية وتغيب الكرامة الإنسانية، بل تغيب العدالة الاجتماعية. ومحاولة جماعته فرض دستور يلائم «الإخوان المسلمين» ولا يلائم مصر الثورة ولا يلائم مصر التاريخ المتحول المتقدم المتطور. ولأن الرئيس هو من جاء عبر صندوق الانتخاب فقد أخذ المصريون يضربون الودع ويقرأون الفنجان لعلهم يلتمسون للرئيس العذر، فلما أفاقوا وبسرعة واستوعبوا ما يحاك بليل ورأوا أن تلك الخطوات بحق ضربة موجهة إلى كبريائهم وأحسوا أن قضاءهم الشامخ ينتهك وأن قوانين الطوارئ أضحت سيفاً مسلطاً عليهم بعد ثورتهم التى تاهت وراحت حتى قربت أن تكون من الذكريات! فانتفضوا بسرعة باغتت الجميع وفى مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين. إن مصر تستعيد عافيتها والشعب المصرى يصنع تاريخاً جديداً. إنه يسترد ثورته من «الإخوان المسلمين». إنه يواصل الثورة التى بدأها فى 25 يناير 2011. إنه يواصل الثورة فى وجه القوى التى سرقت ثورته وأرادت أن تفرض نفسها عليه. وتختطف مصر التاريخ والحضارة والأمجاد والفنون!

فهذا الشعب المصرى المملوء وطنية وشموخاً وبحكم خبرته النضالية ومعاركه مع غزاة الخارج والداخل ما كان ليستسلم . ولم يكن أمام مصر إلا أن تتفوق على نفسها لتتجاوز السقوط فى حفرة حكم «الإخوان المسلمين» لسنوات لم يستطع أحد أن يتصور كم تطول، فالنوايا كانت واضحة والأفعال والممارسات تشى بحكم طويل مديد، إن يستمر حكم يبعد مصر عن صورة الوطن، أقدم وطن فى التاريخ، إلى صورة وعاء للسلطة يمارس فيه «الإخوان المسلمين» دور الحكام الذين لا تعنيهم مصر ولا يعنيهم الشعب المصرى، إنما يعنيهم التسلط باسم الدين. تعود قاعدة «طظ» فى مصر. كان لا بد للشعب المصرى أن يؤكد أنه يبدأ الربيع العربى الحقيقى. ولهذا كان لابد أن يبرهن على أن الربيع العربى الذى استولى عليه «الإخوان المسلمين» هو ربيع زائف أدخل هيمنة الدين على السياسة فمنح «الإخوان المسلمين» بطريقة لا تزال غير مفهومة فوزاً انتخابياً أحدث انتكاسة للشعب والثورة معاً. إن الشعب المصرى استرد وعيه وثورته.

■ استاذ العلوم السياسية