رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رمضان والجنة


مع اقتراب شهر رمضان المبارك، فى كل سنة ، يتنسّم المسلمون رحمات هذا الشهر الكريم، وتكثر فيه العبادة، ويهتم المسلمون بصلاة التراويح خصوصاً، كلهم طمعاً فى الجنة إلا القليل جداً ممن يعبدون الله تعالى حباً لذاته، وقد شغلهم هذا الحب الإلهى العظيم عن الطمع فى الجنة أو الخوف من النار. كما تقول رابعة العدوية.

حِبُكَ حُبَيْنِ حُبَ الهَـوىٰ... وحُبْــاً لأنَكَ أهْـل ٌ لـِذَاك..فأما الذى هُوَ حُبُ الهَوىٰ... فَشُغْلِى بذِكْرِكَ عَمَنْ سـِواكْ.

ومما جاء فى وصف الجنة دون الخوض فى التفاسير العديدة التى قد تذهب بروعة الوصف القرآنى. نقرأ فى القرآن الكريم:

قال الله تعالى عن أهل الجنة: وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ. لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ».

صالح العمل مهم لأن أصحابه يرثون الجنة، وأحياناً يكون ضمن العمل ، الدعاء بالرحمة والمغفرة «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ».

ونقرأ كذلك فى القرآن الكريم عن الجنة: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا. لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ. وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا». وهنا حث على العمل وأهميته، رغم أن الدخول الكامل إلى الجنة يأتى بفضل الله ورحمته وليس بالعمل فقط، ولكن العمل الخالص له أهميته وأجره الكريم. كما نقرأ قوله تعالى «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ». وهكذا ترى أن جزاء القيم العظيمة هو الجنة. ولنقرأ هنا قوله تعالى «وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ». فالصبر ابتغاء وجه الله تعالى وإقامة الصلاة والإنفاق فى سبيل الله سرا وعلانية من وسائل دخول الجنة.

أما الدعاء فله فائدة عظيمة «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِى سَبِيلِى وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ». ما أجمل هذا الثواب العظيم، من عند الله تعالى متمثلاً فى الجنات التى تجرى من تحتهاالأنهار.

وهنا يوضح القرآن الكريم أنه لا فرق فى الجزاء ولا توجد تفرقة بين الرجال والنساء الصالحين «و َمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا»

أما رحمة الله تعالى فتتمل فى هذه الآيات «من عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ» إن جزاء السيئة سيئة مثلها، مع الأخذ فى الاعتبار أيضاً: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ».

وهذا هو حال المتقين «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ». وهذا بعض ما فى الجنة»وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَة. لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ. فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً. فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ. فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ. وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ. وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ» ما أجمل أن يرى الإنسان جزاء لعمله أو ثواباً لدعائه الرب الكريم.

ومن رحمة الله تعالى بالإنسان الضعيف أن نقرأ هذه الآيات التى تبين عظيم رحمة الله تعالى لعباده، وتسخير الله تعالى للملائكة يدعون للذين آمنوا « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ». تأمل أيها القارئ من هو الإنسان الذى تدعو له الملائكة. إن تسخير الله للملائكة عظيم «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا». وهذا بعض ما فى الجنة من النعم والنعيم «فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ».

وهذا المشهد بعد أن يستقر أهل الجنة فى الجنة وهى دار المقامة: قال عزّ و جلّ : وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ.والجنة أيضا لها أسماء عديدة وهى دار الخلد: قال عزّ و جلّ : وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِى الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ وقال كذلك: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ وقال: لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ وقال: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ».

رمضان قادم عن قريب، وهو ضيف كريم ، لا يدعه العاقل يذهب إلا وقد طلب رحمة الله تعالى وسعى لكى تدركه إذ إن «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». والله نسأل العفو والعافية وجنات النعيم والنظر إلى وجهه الكريم فى الجنة. آمين والله الموفق.