رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حزب «جلد الذات» .. المصرى الديمقرطى الحُر


لا أحد يعلم على وجه اليقين أسباب سقوط طائرة مصر للطيران فى البحر المتوسط، ورغم ذلك، استبقت شبكة تليفزيون «سى إن إن» - للدعارة الإعلامية - الأحداث وأذاعت فى اليوم الثانى للحادث المروع أن قائد الطائرة انتحر، فى محاولة لتكرار أكذوبة انتحار البطوطى الذى ضُربت طائرته بصاروخ فوق المياه الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية...

....هكذا بالمخالفة لكل الأعراف والمبادئ والقواعد المهنية، بل بالمخالفة للبروتوكولات الدولية التى تحظر التخمين واستباق المعلومات وتحظر التوصل لنتائج قبل بدء التحقيقات.

فإذا ما علمنا أن شبكة «سى إن إن» تمثل ذراعا إعلامية للسياسة الأمريكية، وأداة لجهاز الاستخبارات الأمريكى «سى آى إيه»، وسلاحاً من أسلحة حرب الجيل الرابع، يتعين علينا أن نتوقف للحظات، ونتساءل: لماذا يحاولون استبعاد فرضية تفجير الطائرة، وتعرضها لعمل إرهابى، أو حتى تعرضها لخلل فنى؟ ولماذا يحصرون السبب فى انتحار قائد الطائرة، ولماذا يلفقون التهمة لمصر؟. هل هى محاولة للتشويش على الجريمة الحقيقية والتستر على المجرم الحقيقى والفاعل الأصلى؟ والشوشرة على واقعة الطائرة الأمريكية، التى ضبطتها المقاتلات اليونانية فى مكان الحادث، وفى توقيت متزامن، مع سقوط الطائرة، والتى رفض قائدها الإفصاح عن سبب وجوده فى موقع الكارثة؟. هل تبنت الـ«سى إن إن» نظرية انتحار قائد الطائرة، دون تحسب للحكمة التى تقول «يكاد المريب يقول خذونى»؟

هل تعرضت الطائرة المصرية لأشعة ليزر حارقة انطلقت من الطائرة المشبوهة التى ضبطت فى المجال الجوى لليونان كما يقول بعض الخبراء ؟

هذه مجرد أسئلة وفرضيات تطرحها ملابسات ومعطيات منطقية، تضاف إلى أسئلة أخرى حول المصادفات العجيبة، وهى وقوع ثلاث كوارث كانت قاسماً مشتركاً، بيننا وبين ثلاثاً من الدول الكبرى، المساندة لمصر، والمؤيدة لثورة 30 يونيو!. هل هى مصادفات قدرية اختيار فرنسا وإيطاليا وروسيا أم هى مؤامرة متورطة بها أجهزة استخبارات دولية لإفساد العلاقات االمصرية الاستراتيجية مع الدول الثلاث الصديقة؟

بالتحليل المنطقى هى مؤامرة بكل المقاييس، والقاعدة القانونية تقول «فتش عن المستفيد»، وهو محور الشر «أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وتركيا وقطر»، سيخرج علينا من يتهموننا بأننا أسرى لنظرية المؤامرة، بدليل أن البحرية الأمريكية بادرت بالبحث عن حطام الطائرة وأشلاء الضحايا، وأبدت استعدادها للتعاون مع السلطات المصرية فى هذا الصدد، وأن المساعدات الأمريكيةمستمرة، فكيف يتآمرون علينا، وكيف نظن بهم شرا؟

والإجابة أن ثمة أهدافا تكتيكية مؤقتة للسياسة الأمريكية، وثمة أهدافاً استراتيجية، تكتيكيا فإن الإدارة الأمريكية تتحدث عن التعاون المشترك والعلاقات الاستراتيجية ودور مصر المحورى فى الشرق الأوسط، هذا هو الوجه الحسن الذى تصدره الولايات المتحدة للخارج، أما الوجه البراجماتى والهدف الاستراتيجى الشيطانى فهو تفتيت الشرق الأوسط وإشعال الحروب الإعلامية وإضعاف الدول العربية وفى قلبها مصر، لحساب إسرائيل، لعل المشهد الحالى فوق مسرح الأحداث يغنى عن أى دليل.

فى إطار الهدف الاستراتيجى، رفعت أمريكا العقوبات عن إيران «تكتيكيا» وأطلقتها لتهديد الخليج والعربدة فى اليمن، والتحرش بالسعودية، وفى ذات السياق، صنعت داعش وأمدتها بالسلاح والأموال، وفى ذات الإطار مولت ودربت الميليشيات الإرهابية فى سوريا، وتم ذلك بالتعاون مع وكلاء الإرهاب فى الشرق الأوسط «أردوغان وقطر»، وما تفعله أمريكا الآن فى الشرق الأوسط، هو حفظ التوازن بين القوى المتصارعة، بلا غالب ولا مغلوب لضمان استمرار حالة الحرب والاستنزاف الاقتصادى لموارد المنطقة، وضمان تنشيط اقتصاد السلاح فى أمريكا.

إنه النموذج الأكبر للحرب العراقية الإيرانية، التى استمرت سنوات دون غالب ومغلوب، لأن واشنطن كانت تمد الطرفين بالسلاح ووقود الحرب.

ولعله من السذاجة بمكان اعتبار التعاون الذى أبدته واشنطن فى جهود البحث عن حطام وضحايا الطائرة دليلاً على نبل السياسة الأمريكية، وحسن نواياها تجاه مصر، فذلك التعاون الذى أبدته، هو ما يتحتم عليها فعله وفقاً للبروتوكولات الدولية التى تحتمها الكوارث الإنسانية، فاذا لم يكن وفقاً للبروتوكولات، فوفقا لسياسة «قتل القتيل والمشى فى جنازته»، فأمريكا التى سلحت الميليشيات الإرهابية، وأمدت داعش بأحدث الأسلحة والصواريخ وسيارات التويوتا لتدمير سوريا وتمزيق العراق، وارتكاب مذابح وحشية، هى ذاتها أمريكا التى تقود حملة لتقديم المساعدات «الإنسانية» لضحايا جرائمها فى سوريا والعراق...توزيع أدوار وضحك على الذقون، الاستخبارات الأمريكية تقوم بالدور القذر، الذى سبق وقامت به فى أمريكا اللاتينية، والإدارة الأمريكية تتقمص دور الملاك البرىء، الذى ينشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويحارب النظم الاستبدادية، لتنعم الشعوب بالحرية والرفاهية!. ولا يمكن فهم أسباب الكواث الثلاث وآخرها فاجعة سقوط طائرة مصر للطيران بمعزل عن المؤامرة، والسعى لإضعاف مصر، والتشكيك فى قدرات الدولة المصرية، وتقويض علاقات مصر الاستراتيجية مع العالم الخارجى، وحصار مصر اقتصادياً، ومائياً، وسياحياً، وتحويلها إلى دولة فاشلة، والأخطر من ذلك، زعزعة ثقة الشعب المصرى بنفسه، وضرب إرادته الحرة، والتشكيك فى اختياراته وقيادته الوطنية، التى أفسدت مخطط بيع سيناء، وتشمل المؤامرة معاقبة الشعب الذى أسقط حكم عصابة الإرهاب «خوان المسلمين» - بتعبير «العقاد» - التى قفزت إلى السلطة فى لحظة عبثية ملتبسة وبائسة، من لحظات التاريخ.

خلاصة القول: إن نفى وإنكار تعرض بلادنا لمؤامرة، وإرجاع أسبابها للفشل الداخلى، اختزال مخل وتنطع فكرى، وعقل نظرى، وتعميم استعلائى كسول، يتبناه أعضاء حزب «جلد الذات» المصرى الديمقراطى الحُر... الحر فى أن يجلدنا كل يوم ، إذا ما أشرنا لنظرية المؤامرة والمنتشر فى الإعلام والصحافة المصرية! صحيح أن الثقافة العربية أسيرة بنظرية المؤامرة، وصحيح أن المؤامرة شماعة أخطاء جاهزة، لتعليق أسباب الإخفاق والفشل، لكن الصحيح أيضاً أننا لا نعيش فى يوتوبيا، ولا نقيم فى المدينة الفاضلة ولا نعيش فى الجنة، ولا نحيا فى عالم مثالى بلا أشرار، يقوده ساسة من الملائكة والنبلاء الأخيار من نوعية يول برايمر وبوش الابن وراميسفيلد وأوباما وأردوغان. المعنى أن أحكام القيمة المطلقة، لا تصلح كأداة ومعيار نهائى لتقويم الأحداث، والحكم على الأشياء، ومحاكمة الناس، فنحن نعيش فى زمن الحقائق النسبية، والتقريبية، لا فى زمن الحقائق الكلية والأحكام النهائية المطلقة، وهو ما يقتضى إعمال العقل التحليلى العملى الواقعى، واستبعاد العقل النظرى،لمحاولة فهم ما يجرى حولنا، وما يحاك ضدنا من مؤامرات، والتمييز بين المؤامرة، والفشل، والتمييز بين ألوان الطيف السياسى، فما أسهل اختزال الأحكام فى الأبيض والأسود، وما أصعب التمييز بين درجات اللون الواحد.وتلك هى معضلة السياسة والسياسيين فى حياتنا، فكل الحقائق عندهم مطلقة، وكل الأحكام نهائية، وكل المواقف راديكالية، وكل الآراء تطرفية، وكل المعلومات يقينية، وكل يدعى معرفة الحقيقة والإحاطة بها علماً، مع أن الحقيقة ذاتها مسألة نسبية!.