رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«التخريبة».. جمهورية مصر سابقًا


التخريبة مصطلح يعرفه أهل الريف جيدًا، وهو يطلق على محصول الأرض الذى «يخيب»، أو ينخفض سعره انخفاضًا هائلاً، أو يصيبه عطب شديد، فتصبح تكلفة جمع المحصول ونقله إلى مكان البيع أعلى من ثمنه، عندها يمتنع الفلاح عن جمع المحصول،

ويتركه فى الأرض، فيتنادى الناس أن هناك تخريبة فى أرض «فلان» فيتسابق الفقراء والمساكين والأطفال والشباب لينقبوا ويجمعوا أكبر كمية يستطيعون الحصول عليها من التخريبة.

يؤسفنى أن أقول إن التخريبة هى الوصف الأكثر تعبيرًا عن أوضاع مصر وما يحدث فيها ولها الآن.

«سياسيًا» بعد ما يقارب العامين من الثورة لم ننجح فى بناء نظام جديد، وكل القراءات تشير إلى أننا نتجه إلى مرحلة انتقالية ضبابية، فشركاء الأمس أصبحوا أعداء اليوم، والمشهد القديم يعاد إنتاجه من جديد، والبلاد تنقسم مجددًا بين فريق حاكم يسعى بلا كلل ولا ملل إلى اقتناص سلطات عدم السماح بإهدار مبادئ الفصل بين السلطات، أوبتغول السلطة التنفيذية، أوالافتئات على الحق الطبيعى لكل مواطن فى اللجوء للقضاء، أو الانقضاض على حرية الصحافة والإعلام، وإذا لم ينزع فتيل الأزمة مبكرًا، فالبلاد مقدمة على حرب شوارع واغتيالات وفتنة لن تبقى أو تذر.

«اقتصاديًا» مصر على شفا الإفلاس فى ظل استقرار لم يتحقق وأمن لم يكتمل، واستثمارات وسياحة لا يمكن أن ينتعشا فى غيابهما، وبورصة كلما تعافت جزئيًا تعود للانتكاس، وأكثر من 3 آلاف مصنع متوقف عن الإنتاج، وتلك المقدمات رتبت نتائج كارثية، تجسدت فى 170 مليار جنيه عجزًا متوقعًا فى الموازنة العامة، وصعود مؤشر الواردات إلى 55 مليار دولار، وانخفضت الصادرات إلى 25 مليارًا، والاحتياطى الدولارى يتقهقر، وتكاد البلاد تصل محطة عدم القدرة على دفع الرواتب والمعاشات والضمان الاجتماعى.

«اجتماعيًا» انعكس فشل السياسة والاقتصاد على تفاقم مشكلات اجتماعية وتحولها من حالات فردية أو ظواهر متقطعة إلى سلوكيات وظواهر مستدامة أو نمطية، مثل البلطجة والبطالة والعشوائيات وأطفال الشوارع والعنوسة والعنف غير المبرر والمخدرات والاختطاف والاغتصاب، ودخول شرائح متزايدة من الطبقة الوسطى و«النخب» إلى عالم الجريمة.

«ثقافيًا» تكاد تختفى ثقافة الحوار وإعلاء المهنية والموضوعية على الانتماءات السياسية والصالح العام على المكاسب الخاصة، واختفت تمامًا مبادئ الإيثار والشفافية والتجرد من الهوى، وصار الجميع إلا من رحم ربى يمارس ويتفنن فى التدليس والخداع والموالسة، ويطبق المثال القذر الحقير« إذا بيت ابوك أتهد.. خدلك منه الب».

معذورون الفقراء والأطفال والشباب العاطل الذين يسعون لتخريبة الريف، ولا عذر مطلقًا للسياسيين والقادة الذين خربوا مصر أو يتصارعون على تخريبتها.

ملعونون من جعلوا الوطن «تخريبة» جمهورية مصر سابقًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

■ كاتب صحفى