رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأخلاق المحمودة.. والمذمومة


قال الله تعالى فى وصف رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ». وجاءت أوصاف عظيمة فى القرآن الكريم كذلك لجميع الأنبياء والمرسلين الذين جاء ذكرهم. «وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا» إن التحلى بالأخلاق العظيمة هو أثمن ما فى هذه الحياة يستوى فى هذا كل البشر، فمن كانت أخلاقه حميدة محمودة من المسلمين، كان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجنة «إِنَّ مِن أحَبِّكُم إِليَّ وأَقربِكُم مِنِّى مجلسًا يومَ القيامَة: أَحاسِنكم أخلاقا». ومن كانت أخلاقه مذمومة، كان من أبعد الناس حتى إلى أقاربه فى الدنيا والآخرة. «دخلت امرأة النار لأنها كانت تؤذى جيرانها»، رغم صلاتها وتدينها الشكلى الذى لم ينتقل إلى أخلاقها، ولم يظهر أثره فى سلوكها «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ» ويقول صلى الله عليه وسلم: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له». هذه المعايير مهمة لكل مسلم لكى يحكم على نفسه، ولا ينتظر حتى يحكم عليه الناس صدقوا فى كلامهم أم كذبوا.

يقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى أصلُ الأخلاق المذمومة كلِّها: الكِبرُ والمهانة والدَّناءةُ. وأصلُ الأخلاق المحمودة كلِّها: الخشوعُ وعلوُّ الهمِّة. فالفخرُ، والبطرُ، والأشرُ، والعُجْبُ، والحسدُ، والبغيُ، والْخُيَلاُء، والظُّلمُ، والقسوةُ، والتجبُّرُ، والإعراضُ، وإباءُ قبول النصيحة، والاستئثارُ، وطلبُ العلو، وحب الجاه والرئاسة، وأن يُحمَد بما لم يفعل، وأمثالُ ذلك؛ كلُّها ناشئةٌ منالكبر. وأمَّا: الكذبُ، والخِسَّةُ، والخيانةُ، والرِّياءُ، والمكرُ، والخديعةُ، والطمع، والفزعُ، والجُبْنُ، والبخلُ، والعجزُ، والكسلُ، والذُّلُّ لغير الله، واستبدالُ الذى هو أدنى بالذى هو خيرٌ، ونحو ذلك، فإنها من المهانة والدَّناءة وصغر النفس. وأمَّا الأخلاقُ الفاضلةُ: كالصبر، والشجاعة، والعدل، والمروءة، والعفَّة، والصِّيانة، والجود، والحلم، والعفو، والصَّفح، والاحتمال، والإيثار، وعزَّة النفس عن الدَّناءات، والتواضع، والقناعة، والصِّدق، والإخلاص، والمكافأة على الإحسان بمثله أو أفضلَ، والتغافُل عن زلاَّت الناس، وترك الانشغال بما لا يَعنِيه، وسلامة القلب من تلك الأخلاق المذمومة، ونحو ذلك، فكلُّها ناشئةٌ عن الخشوع وعلوُّ الهمة.

والله سبحانه وتعالى، أخبر عن الأرض بأنَّها تكونُ خاشعةً، ثم يَنِزلُ عليها الماء، فتهتزُّ وتربو وتأخذ زينتها وبهجتها، فكذلك المخلوق منها إذا أصابه حظُّه من التوفيق. «وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ». وأمَّا النارُ فطبعُها العلوُّ والإفسادُ، ثم تخمُدُ فتصيرُ أحقرَ شىءٍ وأذلَّهُ، وكذلك المخلوقُ منها؛ فهى دائماً بين العلو إذا هاجتواضطربت، وبين الخِسَّة والدَّناءة إذا خَمَدتْ وسكنتْ. «إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا، وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ، بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا». والأخلاقُ المذمومة تابعةٌ للنار والمخلوق منها. والأخلاقُ الفاضلةُ تابعةٌ للأرض والمخلوق منها؛ فمن عَلتْ همَّتُهُ وخشَعتْ نفسُه اتَّصف بكل خلق جميل. ومن دَنَتْ همته وطغَتْ نفسه اتَّصف بكلِّ خلق رذيل». «كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ».

انتهى كلام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى، وبقى علينا أن نفهم هذا الكلام القيم من ابن القيم، فى ضوء القرآن والسنة النبوية الصحيحة. وأن يظهر أثر هذه القراءة والفهم فى سلوكنا، كما ظهر أثر الإيمان فى سلوك كرام الصحابة - رضوان الله عليهم – فى حياتهم كلها، فى الدعوة إلى الله تعالى، وفى السلم وفى الحرب، وفى حب الله تعالى، وحب رسوله الكريم، الذى لا يعدله حب شىء فى هذه الدنيا.

من الأخلاق الحميدة كما جاء فى العديد من المصادر الموثوقة: الإحْسَان، والأُلْفَة، والأمَانَة، والإيثَار، والبِرُّ، والبَشَاشَة، والتَّأنِّى أو «الأناة»، والتَّضْحية، والتَّعاون، والتَّواضُع، التَّودُّد، والجُود، والكَرَم، والسَّخاء، والبَذْل، وحسن الظَّن، والحِكْمَة، والحِلْم، والحَيَاء، والرَّحْمَة، والرِّفق، والسَّتْرُ والسَّكِينَة، وسلامة الصدر، والسَّمَاحة، والشَّجَاعَة، والشَّفَقَة، والشهامة، والصَّبْر، والصِّدْق، والصمت، والعَدْل، والعِزَّة، والعَزْم والعَزِيمَة، والعفة، والعفو والصفح، وعُلُو الهِمَّة، والغَيْرة، والفِرَاسَة، والفَصَاحة، والفِطْنَة والذَّكاء، والقَنَاعَة وكتمَان السِّرِّ، وكَظْم الغَيْظ، والمحبة، والمدَاراة، والمروءَة، والمزاحُ، والنُّبْل، والنَّزَاهَة، والنَّشَاط، والنُّصْرَة، والنَّصِيحَة، والورع، والوَفَاء بالعَهْد، والوَقَار. هناك مئات السمات الجميلة والصفات الفاضلة لم نذكرها هنا. قد يتعجب الإنسان القارئ من ذلك العدد الكبير. لا يوجد إنسان على وجه الأرض – إلا نادراً - لا يحب هذه الأخلاق والصفات مهما كان سيئاً ومهما كان سلوكه. فكل صاحب فطرة سليمة يحب هذه الأخلاق الحميدة وإن خالفها سلوكه.

ومن الأخلاق المذمومة: الإِسَاءة، والإسراف والتبذير، والافتراء والبهتان، وإفشاء السر، والانتِقَام، والبخل والشح، والبُغْض والكَراهِية، والتجسس، والتعسير، والتقليد والتبعية، والتَّنْفِير، والجبن، والجدال والمراء، والجَزَع، والجَفاء، والحسد، والحقد. والخُبْث، والخِدَاع، والخِذْلَان، والخيانة، والذُّل، والسخرية والاستهزاء، والسَّفَه والحُمْق، وسوء الظن، والشَّمَاتَة، والطَّمع، والظُّلم، والعُجب، والعُدْوان، والغدر، والغش، والغَضَب، والغِيبَة، والفتور، والفُجُور، الفحش والبذاءة، والقسوة والغلظة والفظاظة، والكِبْر، والكذب، والكَسَل، واللُّؤْم، والمكْر والكَيْد، ونقض العهد، والنَّمِيمَة، والوَهن، واليأْس والقنوط. هناك أيضاً سمات أخرى سيئة كثيرة غير ما ذكرناه هنا. ولعلى أطرح على القراء الكرام أمرين. الأمر الأول: أن يحاول كل منا أن يتحلى بالسمات الكريمة التى لا يجدها عنده وأن يتدرب عليها ويراقب نفسه فى أدائها، وعليه أيضاً – وهذا هو الأمر الثانى - أن يحاول التخلى عن أى سمات سيئة يراها فى نفسه، وليكن ذلك بالتدريج أو أن يضع أسبوعا لكل سمة يريد أن يكتسبها، وأن يضع أسبوعاً آخر لكل سمة يريد التخلص منها. وهناك حكمة أخيرة تعلمتها من بيت شعر نستطيع أن نقول عنها إنها من باب ترتيب الأولويات: إن المدرس والطبيب كلاهما***إن بدا لهما مرضان داوا الأخطرا. وللحديث صلة. والله الموفق.