رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القضاء والقانون.. خط أحمر


ما الذى أفزعنا وأغضبنا كشعب مصرى من الإعلان الدستورى للرئيس مرسى؟..إنه الهيمنة على استقلال القضاء وتحصين قرارات الرئيس. مما يعنى فى النهاية التدخل فى أحكام القضاء والتغول كسلطة تنفيذية على السلطة القضائية وفى هذا خطر وأى خطر، حيث تدلنا الخبرة التاريخية أنه لا وجود للحرية دون فصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وما على الحرية أن تخشى أى أمر يتعلق بالنظام القضائى بمفرده لكن عليها أن تخشى كل أمر إذا ما اتحد القضاء مع أى من السلطتين الأخريين. وهذه النتيجة المتبصرة التى توصل إليها الخبراء وفق الخبرة التاريخية هى قاعدة إنسانية عامة تتعدى التباينات بين الأنظمة القضائية للدول. حيث إنه لا يمكن ضمان واقع ومظهر الالتزام الحريص بحكم القانون للناس إلا من خلال استقلال القضاء.

فالحكومة «تحافظ على وعودها، أو لا تحافظ على وعودها، من خلال محاكمها، وعليه يصبح كفاح الفرد من أجل إقامة حكومة دستورية هو كفاح لسن قوانين جيدة، ولكن، بالطبع، أيضاً لإقامة محاكم مطّلعة ومستقلة وغير متحيزة».

و«النظام القضائى المستقل يُشكّل الدعامة الرئيسية لدعم الحريات المدنية، وحقوق الإنسان، وعمليات التطوير الشاملة، والإصلاحات فى بناء المؤسسات الديمقراطية وأنظمة التجارة والاستثمار.. واستقلال النظام القضائى ليس هدفا نهائيا بحد ذاته، بل وسيلة تقود إلى هدف. إنه نواة حكم القانون ليعطى الثقة للمواطنين بأن القوانين سوف تطبق بإنصاف ومساواة. وليس هناك من مجال يتعرض فيه هذا الأمر بدرجة أكبر مما تتعرض له حماية النظام القضائى لحقوق الإنسان. ويعتبر القضاء المصرى هو أحد أبرز إنجازات مشروع الدولة الحديثة، الذى تأسس على صياغة مجموعة من القوانين، والهياكل، والمؤسسات القانونية والسياسية، فكانت فكرة دولة القانون وفصل السلطات.

وقد أدركت الجماعات القانونية وبخاصة القضاء، والمحامين، ورجال الفقه القانونى أهمية استقلال المؤسسات القضائية باعتبارها سلطة من السلطات الثلاث. ومن ثم كانت إشكالية فصل السلطات -المدنية - فى إطار الدساتير المصرية جزءا لا يتجزأ من شواغل الجماعة القضائية المصرية. وإذ إن استقلال القضاء والقضاة فى أدائهم للوظيفة القضائية، يمثل جزءا أصيلا من معانى، ودلالات دولة القانون، ومبدأ سيادته فى الحكم، وعلى الرغم من المحاولات الضارية من سلطتى التنفيذ والتشريع لترويض القضاء كسلطة، والقضاة كجماعة إلا أن هذه المحاولات وجدت أغلبية كبيرة تتصدى لها بالرفض الصارم.

ومن هنا يمكن القول إن السلطة القضائية، وجماعة القضاة قد بلورتا تراثا من الممارسات والقيم والتقاليد القضائية الاستقلالية إزاء السلطات الأخرى فى الدولة، مما ولد حساسية شديدة إزاء جميع محاولات التأثير فى صلاحيات القضاة، أو استقلالهم فى أداء أعمالهم، أو المساس بمكانتهم كجماعة على مستوى الحياة العامة، أو الاجتماعية. وقد أثمرت تلك الممارسات عن ظهور نسق عقيدى لدى جماعة القضاة حول القيم والقواعد التى تمثل القيم الدستورية والسياسية للدولة المدنية الحديثة، ونظام حقوق الإنسان، وقد تبلور هذا النسق العقيدى، حول الحريات العامة الأساسية، ورفض الأنساق القانونية والقضائية الاستثنائية، من هنا الرفض الضارى - بحق- للإعلان الدستورى للرئيس لأنه يمثل خروجا على قواعد المشروعية الدستورية والقانونية.

■ أستاذ الشئون السياسية والاستراتيجية