رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نواجه قبضة الفاشية؟


ولا كلمة عن إعادة النظر فى اتفاقية كامب ديفيد، ولا كلمة عن كيفية بناء واستنهاض صناعة وطنية، ولا كلمة عن إصلاح زراعى. ويبدو مضحكا أن يلوح عمرو موسى الذى خدم مبارك عشرين عاما بقبضته هاتفاً «الثورة مستمرة»! ومعه آخرون ينتمى بعضهم لنفس النوع !

ما يشغلنى هنا ليس الإعلان الدستورى الذى استنفر الجميع للتصدى له، يشغلنى حقا السؤال القديم: ما العمل؟ فى لحظة تلوح فيها كل احتمالات المواجهات السلمية والعنيفة ثم وهو الأخطر احتمال إخماد روح الثورة بقمع دموى؟ . لا أبحث عن إدانة الإعلان الدستورى الذى أعلنه محمد مرسى، لأن الإدانة ظاهرة ومتفجرة وسارية بشتى ألوان الغضب والمرارة. يشغلنى، ونحن مطوقون بألسنة اللهب، وبدماء جابر صلاح التى لاتجف، تلك القبضة الفاشية التى تتوعدنا بتحطيم وجوهنا، وأحلامنا، وقصائدنا، وضحكاتنا. يهمنى – كيف نواجه ما يجرى؟ ما الرد الصحيح المؤثر الكفيل بتعديل موازين القوى لصالح الثورة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟

للبداية فقط أذكر بأن «الدستور» كانت الجريدة الوحيدة التى نشرت فى 16 نوفمبر الحالى مقالا بعنوان «الفاشية تدق الكعب»! حذرت فيه من تهيئة المناخ العام لحكم فاش مستبد، ولم تنقض ستة أيام حتى خرج علينا الرئيس مرسى بإعلانه الدستورى الذى أطاح باستقلال القضاء عندما عزل النائب العام وعين نائبا جديدا، ثم حصن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى (بالتكوين الإخوانى الغالب عليهما) من الحل أو الطعون القضائية ،وأخيرا زاد الطين بلة بالمادة الثانية من الإعلان التى جاء فيها أن «الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة نهائية ونافذة بذاتها وغير قابلة للطعن عليها بأى طريق ولا يجوز التعرض لقرارات الرئيس بوقف التنفيذ أو الإلغاء من قبل أى جهة قضائية».

وهكذا عدنا إلى العصر الذى أعلن فيه لويس السادس عشر «أنا الدولة، والدولة أنا»، إذ أصبح مرسى فى غمضة عين هو- الرئيس والجمعية التأسيسية ومجلس الشورى والقضاء. بذلك الإعلان أصبح ما كان مجرد مناخ عام معبأ بالنزعة الفاشية قانونا رسميا معتمدا لنظام الحكم القائم. ولعل القارئ قد أحاط بمواقف وردود أفعال معظم القوى السياسية المصرية التى تقف خارج خندق الإخوان الذين يوظفون الدين فى العملية السياسية لإضفاء الطابع الإلهى على برنامجهم السياسى اليومى والبعيد المدى بحيث تصبح أى معارضة لبرنامجهم السياسى اعتراضا على المقدسات.

للتذكرة أقول إن معظم القوى السياسية اعترضت على الإعلان الدستورى جملة وتفصيلاً، ومنها- «التيار الشعبى» و«الجبهة الديمقراطية» و«مصر الحرية» و«الاشتراكيون الثوريون» و«المصريين الأحرار» ، و«التحالف الشعبى الاشتراكى» و«الديمقراطى الاجتماعى» و«الجمعية الوطنية للتغيير» و«الحزب الاشتراكى المصرى» و«حزب الوفد» ، و«الجبهة الديمقراطية» و«التجمع»، و«حزب الغد» و«نادى القضاة» وبقايا حركة «كفاية»، بل وحتى البعض ممن يحسبون على المنتفعين بالدين مثل عبدالمنعم أبوالفتوح! عدا كتاب وفنانين وصحفيين وشخصيات عامة وقوى أخرى كثيرة أدركت على الفور أن الإعلان يدس الفاشية فى رغيف إعادة محاكمة قتلة الثوار.

الإخوان الذين تصوروا أنهم يشترون شعبا وثورة بقليل من الزيت والسكر والأرز وأنابيب البوتاجاز يهيأ لهم أن الوقت قد حان لاعتصار مصر بأكملها، وسحق سبعة آلاف سنة من الحضارة، وتمريغ أنف شعب عظيم وأبى فى وحل الاستبداد الفردى. إلا أن مصر أكبر من أن تلوكها حنجرة الجماعة وأقوى من طحن ضروسهم، وهى أذكى وأشد عنفوانا وأملا من ضباب بخور الخزعبلات ومن السجون والقبضات والدبابات. على مدى نصف عام من وصولهم للحكم كشف الإخوان عن جوهر برنامجهم الاقتصادى والسياسى – العجز عن التنمية واستنهاض الصناعة والزراعة والتوزيع العادل للدخل القومى، والانصياع للتبعية الاقتصادية للغرب وقروضه وشروطه، والخضوع لمصالح السياسة الأمريكية الإسرائيلية بتقديم الضمانات اللازمة لأمن إسرائيل، وتكريس الفشل القديم فى معالجة أصغر المشكلات كأزمة المرور وحوادث القطارات، مع اللجوء للتصفية الأمنية لكل حركة احتجاج جماهيري، ومصادرة الحريات العامة بإغلاق القنوات التليفزيونية والصحف وإرهاب المعارضة وصولا إلى إطلاق الرصاص على جابر صلاح ليصبح شهيد أول رئيس مدنى منتخب.

ولمواجهة الإعلان دستوريا عن حكم الفاشية تراوحت مواقف القوى السياسية المعارضة ما بين الدعوة إلى إسقاط ذلك الإعلان وحل الجمعية التأسيسية وإعادة تشكيلها بتمثيل لكل التيارات وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى، والمناداة بمظاهرات حاشدة ، والسعى لتشكيل إدارة موحدة تجمع القوى الوطنية وصولاً إلى الدعوة لاسقاط حكم المرشد واسقاط النظام وإرغام رئيسه على الرحيل. وبذلك تدور طرق المواجهة التى تعتمدها المعارضة فى نفس الإطار الذى يتحرك فيه الرئيس مرسى! فالمعارضة تبحث عن حل الجمعية التأسيسية ومرسى يبحث عن استبقائها، والمعارضة تبحث عن دستور ديمقراطى ومرسى يبحث عن دستور فاشى، والمعارضة تريد حكومة وطنية ومرسى يريدها إخوانية، لكن المعارضة ومرسى يتفقان بالكامل على ميدان المعركة وطبيعة أهدافها: الدستور ــ البرلمان ــ مؤسسة الرئاسة . بينما تحتاج الثورة ويلزم الشعب برنامجاً سياسياً واقتصادياً يلتف حوله. فنحن لا نسمع كلمة تقريبا فى أحاديث المعارضة عن فك تبعية الاقتصاد المصرى لصندوق النقد.

وللحديث بقية.

■ أديب