رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العجب العجاب.. فيمن أضاعوا الألباب


لا أحسب أن عاقلًا يستطيع أن ينكر عياناً بياناً، بحثاً وتمحيصاً أننا نعيش زمن العجب العجاب، زمن النفوس اللئيمة الدنيئة مشوهة الفطرة، زمن تنتهك فيه الذات البشرية وتباح حرمتها وينكل بها، زمن أضحى فيه الحليم حيراناً والكريم حزيناً، تتربصهم شياطين الإنس والجان، زمن يتكلم فيه الرويبضة ويسكت الحكيم، تتعالى فيه أصوات الأشقياء الأدعياء وتخفت أصوات الأنقياء الأحفياء حتى لا تكاد تسمع لهم ركزاً...

... فهل ازدانت الأرض بأرجاسها وأدناسها وتزينت بأوساخها وتجشأت قاذوراتها.

ماذا حدث لنا؟ هل فينا أو فى موروثنا أو ثقافتنا عيب؟ هل أصبح زادنا الكلام وسلاحنا كراهية الوطن والتجييش ضده؟ هل غاب الحس الوطنى أم أحضرت الأنفس الشح؟ أم هل أصبحنا كغثاء السيل؟ أين المبادئ والثوابت والأهداف المشتركة التى تربينا عليها؟ وماذا يمكن لنا أن نقول عن مستنقعات التواصل الاجتماعى التى تشبه فى دنيانا الطاعون الفكرى والإبادة الجماعية للفضيلة والأخلاق، والتى لم تحمل لنا معها سوى الخراب والإفلاس والانهيار الاجتماعى، رغم أنه كان يمكن أن تكون وسائل بناء وتحضر وثقافة.

ولئن كان من الحق والإنصاف أن أسجل بأمانة واعترافاً بالواقع المرير أن فريقاً من بنات وأبناء وطننا قد اعتادوا الغلو فى القول والتطرف فى الرأى واتبعوا الهوى فى استخدامهم لهذه الوسائل بمفهوم منحرف خاطئ، إلا أنه من غير المتصور فى شرعة العقل والمنطق ومن العجب العجاب أن يصل بهم الأمر إلى هذا الحد من الكره للوطن والحقد الدفين على أبنائه والشماتة فى أى كارثة تحل به حتى لو كان الموت الذى لن يفر منه أحد، فقد نشرت إحدى المداولات - بزهو وشماتة وفخار. إن وزير خارجية إيطاليا شن هجوماً حاداً على رئيس جمهوريتنا وحكومته واصفاً إياها بحكومة الأشرار الإرهابيين، وأنه سيجتمع مع الرئيس الإيطالى ورئيس وزرائه والاتحاد الأوربى لتوقيع أقصى عقوبة على مصر وأن هؤلاء الأشرار الكاذبين- أى نحن - سيدفعون الثمن، وأضافت بأن خالتى أم ريجينى قالت إن هؤلاء - أى المصريين ورئيسهم وحكومته ليسوا بشراً وأنهم جمعوا كل شرور العالم..!! وصدرت المتداولة تويتتها بعبارة : «يالله خلى الأجانب ياخدوا لنا حقنا بلا وكسه»، كما نشر متداول آخر رسالة من أم المدعو خالد سعيد - التى لا يحلو لها إلا المتاجرة بدم ابنها - إلى أم الإيطالى ريجينى، لتعزيتها فى هذا الريجينى، وتصفها: «بأم الشهيد ريجينى» التى ستكمل مشوار ابنها الشهيد وتدعو لها الله أن يمكنها منهم ويقدرها عليهم - أى على المصريين وحكومتهم-، إلى غير ذلك من تويتات وبوستات الشماتة فى أى مصيبة تحل بالدولة أو مواطنيها، وآخرها خطف الطائرة وموت اللواء سامح سيف اليزل، أما ثالثة الأثافى فكانت فى كمية المشاركات والإعجاب منقطع النظير بهذه البوستات والتويتات الخسيسة الوضيعة التى تقطر من جهة غلاً وحقداً دفيناً، ومن جهة أخرى تكشف فى غير عناء عن الجهل فى أخس معانيه والانتهازية فى أغبى مظاهرها والجحود والعقوق فى أحط صوره.

ألهذه الدرجة وصل بكم الانحطاط فى السلوك.... ألهذه الدرجة هان عليكم الوطن وأبناؤه... ألهذه الدرجة عمت أبصاركم فلم تعد ترى سوى الضلالة، وقست قلوبكم فأصبحت أشد قسوة من الحجارة... أما لهذا الليل البهيم الذى ران عليكم من نهاية بصبح يجليه من الرجس... أما لهذا البحر الزاخر بالكراهية والغل والحقد من جفاف.

إن الوطن الذى تنخرون عظامه يمجكم مجا ويرفضكم رفضا لأنكم اشتريتم الضلالة بالهدى والعمالة بالوطنية، ولا يمكن وصفكم إلا بأنكم متجردون من الآدمية، تركتم الطريق المستقيم فضللتم، إنكم مستنقعات بلا ماء وغيوم تسوقها الأنواء، ولكن الوطن سيعرف كيف يقاتلكم ويلفظكم بصبر وأناة، ويخرج من كل أزمة حالكة وفتنة مقيتة قاتمة، لأن قدره الانتصار بشرفائه وبعلياء همم أصفيائه.