رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دروس.. من حادثة "الطيّارة"


ربما كانت فترة الساعات الثمانية التي عاشتها مصر، طيلة فترة اختطاف طائرة مصر للطيران إلى قبرص، على يد خاطف مصري "من أصحاب السوابق"، فرصة جيّدة لنكتشف أجمل ما في مصر، بمثل ما كانت فرصة لاكتشاف الكثير من العقليّات "الضاربة" التي ملأت صفحات التواصل الاجتماعي سخرية وشماتة.. وكان من المضحك أو المثير للاشمئزاز، ما تناقلته قنوات الجماعة إيَّاها، من أن أجهزة الامن هي من دبرت عملية الاختطاف للتمويه والتعتيم علي عزل هشام جنينة.!
وإذا كانت مفاجأة اختطاف الطائرة، مثَّلت امتحاناً غير متوقّع للدولة المصرية بأكملها، في ظرفٍ اقتصاديّ صعبٍ وحرجٍ للغاية، إلا أنها أيضاً كانت عنواناً لاختبار قوّة مؤسّسات الدولة في التعامل العام مع الحدث، الذي أصبح حديث العالم.. بدءاً من مؤسسة الرئاسة التي باشرت الحادث على الفور في اتصالات مع الجانب القبرصي، إلى وزير الطيران شريف فتحي، الذي قدّم أداءً رائعاً ومتوازناً ما بين الأداء السياسي المتعلق بطبيعة المنصب، وما بين الحسّ الأمني الذي تفرضه ضرورات الأزمة، للدرجة التي حازت إعجاب العالم، وحتى بعض وسائل الإعلام العالمية مثل سي إن إن، التي وصفت التعامل المصري بأنه "مثلما يقول الكتاب".. وليس مثلما ردّد بعض الببغاوات و"مهرتلي" وسائل التواصل الاجتماعي.
كان مؤسفاً، ومصر كلها تجتاز الاختبار بامتياز، أن نرى أو نقرأ هذا الكمِّ الفاضح من السخرية والشماتة، و"النضال" الوهمي، الذي يكشف أن لدينا نفوساً مريضة، تمتلئ بالسواد، ولم تتعلق حتى بأي موقف رجولي، أو تأخذ العبرة من موقف مضيفة طيران شجاعة، ومعها كل الطاقم الذي قدّم درساً نموذجياً في التعامل الميداني مع الأزمة.
مضيفة الطائرة، التي رأيناها على الهواء، وهي تساعد الركاب على الخروج، ثم تعود مرة أخرى، وهي تعرف أنها ربما تواجه مصيراً صعباً، ولم تهرب، أظهرت الوجه "الرجولي" في رباطة الجأش، وهو ما افتقده كثيرون من الذين انهالوا سخرية وشماتة، وتبرّعوا ـ بغباء ـ في مهمة تشويه متعمدة، وسرحوا بخيالاتهم الانتقامية للنيل من أية حالة سلبية تعيشها مصر في لحظة حرجة.!
ومع إيماني بأنه لا يجب استباق مجريات التحقيق، وبغض النظر عن دوافع المجرم، الذي تأكد أنه نصاب ومزوّر محترف، ومحاولات تبرير أنه مريض نفسياً، إلا أن ما تم تداوله من معلومات أولية، عن أن للخاطف مطالب سياسية، لا ينبغي تجاهلها أو البحث عن ألغازها المثيرة، وارتباطاتها الجدلية بحالة الإرهاب التي نواجهها حالياً.. وتزامنها مع ما تم إعادة التحقيق فيه حول قضية تمويل منظمات المجتمع المدني.
هذه النقطة وحدها كفيلة بإدراك مغزى التوقيت، الذي تحاول فيه البلاد التقاط أنفاسها، قبل دلالات العملية الخفيّة، والتي كان أولها تأكيد وجود اختراقات في نظم أمن المطارات المصرية، ما يعني الإجهاز على آمال عودة حركة السياحة بالضربة القاضية، وإظهار مصر بمظهر الدولة الفاشلة، لذا لا أؤمن كثيراً بمحاولات حصر الحادث في مجرد دوافع نفسية واجتماعية، خاصة مع ما جرى من تهويل الموضوع وتحويله لساحة افتراء كبيرة.. واعتبار البعض أنه رسالة للدولة المصرية وعلى رأسها الرئيس السيسي.
باختصار، مصر نجحت في اختبار المصداقية والشفافية، واستطاعت بما يمكن اعتبارها فكرها الجديد، تجاوز الأزمة المفتعلة، وأظهرت أنه لا يُمكن ليَّ ذراعها، خاصة وأنها أرسلت عناصر من الوحدات الخاصة إلى قبرص لتحرير الرهائن إذا استلزم الأمر، وفي نفس الوقت كشفت أساليب التعامل مع الأزمة أن لدينا ما يُمكن الاستفادة منه بجدية، وهذا ما يمكن استثماره والبناء عليه في مواجهة أي أزمة أو كارثة لا قدّر الله.
المطلوب الآن وفوراً من كافة مؤسسات الدولة والأجهزة الرسمية، الاقتداء بنفس الأسلوب، لتحسين الصورة إن لم يكن توضيحها على الأقل.