رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التوحيد وثمرات الذكر


ينقسم التوحيد عند بعض الفقهاء خصوصاً فقهاء الحنابلة إلى ثلاثة أقسام هى: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

وقد اجتمعت هذه الأسماء والصفات فى قوله تعالى: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ»، وفى قوله تعالى «رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً». وفى قوله تعالى «اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» وطبعاً فى الأسماء الحسنى التسعة والتسعين...

... القسم الأول: وهو توحيد الربوبية: وهذا يعنى إفراد الله -عز وجل- بالخلق، والملك، والتدبير. فإفراده بالخلق : أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله وحده لا شريك له . قال تعالى: «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر». وأما إفراد الله تعالى بالملك : فإن يعتقد الانسان المسلم أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم، كما قال تعالى: «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض».

 أما القسم الثانى: فهو توحيد الألوهية: وهذا يعنى إفراد الله- عز وجل- بالعبادة. فالمستحق للعبادة هو الله تعالى، قال تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِل».

والعبادة هنا تطلق على شيئين: الأول: التعبد بمعنى التذلل لله- عز وجل- بفعل أوامره واجتناب نواهيه; محبة وتعظيماً. والثانى: المتعبد به; فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة».

أما القسم الثالث: فهو توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله- عز وجل- بما له من الأسماء والصفات. وهذا يتضمن شيئين: الأول: الإثبات، وذلك بأن نثبت لله- عز وجل- جميع أسمائه وصفاته التى أثبتها لنفسه فى كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وفى ظنى أن الايمان بعد الاثبات ضرورة وإلا فقد الإثبات شيئاً من أهميته أو أصبح إثباتاً سلبياً. والثانى: نفى المماثلة، وذلك بأن لا نجعل لله مثيلا فى أسمائه وصفاته، كما قال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ». ومن هذه الأسماء والصفات الأسماء الحسنى لله تعالى وهى:

الله | الرحمن | الرحيم | الملك | القدوس | السلام | المؤمن | المهيمن | العزيز | الجبار | المتكبر | الخالق | البارئ | المصور | الغفار | القهار | الوهاب | الرزاق | الفتاح | العليم | القابض | الباسط | الخافض | الرافع | المعز | المذل | السميع | البصير | الحكم | العدل | اللطيف | الخبير | الحليم | العظيم | الغفور | الشكور | العلى | الكبير | الحفيظ | المقيت | الحسيب | الجليل | الكريم | الرقيب | المجيب | الواسع | الحكيم | الودود | المجيد | الباعث | الشهيد | الحق | الوكيل | القوى | المتين | الولى | الحميد | المحصى | المبدئ | المعيد ا المحيى | المميت | الحى | القيوم | الواجد | الماجد | الواحد | الأحد | الصمد | القادر | المقتدر | المقدم | المؤخر | الأول | الآخر | الظاهر | الباطن | الولى | المتعالى | البر | التواب | المنتقم | العفو | الرءوف | مالك الملك | ذو الجلال والإكرام | المقسط | الجامع |الغنى | المغنى | المانع | الضار | النافع | النور | الهادى | البديع | الباقى | الوارث | الرشيد | الصبور ».

 هذه الآية الكريمة تدل على أن جميع صفاته تعالى ، لا يماثله فيها أحد من المخلوقين; فهى وإن اشتركت فى أصل المعنى واللفظ واللغة، لكنها تختلف فى حقيقة الحال، فمن لم يثبت ما أثبته الله لنفسه; فهو معطل، وتعطيله هذا يشبه تعطيل فرعون، ومن أثبتها مع التشبيه؛ صار مشابها للمشركين، الذين عبدوا مع الله غيره، ومن أثبتها دون مماثلة صار من الموحدين. جعلنا الله تعالى منهم.

 إنّ لله تعالى يدين حقيقتين على ما يليق بجلاله وعظمته، لا تماثلان أيدى المخلوقين وذلك مفهوم من قوله تعالى « بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ « ، وله عين ووجه، كما أن له ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ».

ولهذا يجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ «لم» و «كيف»، فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته. وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية.

وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيراً، وهذه حال السلف الصالحين رحمهم الله تعالى. وليستبصر الإنسان هذه القصة: 

جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله وقال له : يا أبا عبد الله! «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى»، فكيف استوى؟ فأطرق الإمام مالك برأسه وقال: «الاستواء معلوم أو غير مجهول»، والكيف غير معقول «معلوم»، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً».

أما من أهم ثمرات ذكر الله تعالى: أن الذكر يرضى الرحمن، ويورث محبته للذاكر. فضلاً عن أنه يزيل الهم والغم وهو من بواعث تيسير الأمور وطرد الشيطان. وإنه كذلك يؤمن من الحسرة يوم القيامة. وينفع صاحبه عند الشدائد ويورث حياة القلب، ومحبة العبد لله ومراقبته والرجوع إليه. كما أن ذكر الله تعالى سبب من الأسباب الموجبة لنزول السكينة وغشيان الرحمة وحضور الملائكة. وذلك مما يجلب البركة والأمن والرزق. ومن العجيب أن الجبال والقفار تباهى بمن يذكر الله عليها. ومن الفوائد التى تعالج أمراضاً قد تنتشر من حين لآخر. إن فيه شغلاً عن الغيبة والنميمة. وسبب لدفع غضبه سبحانه وتعالى. كما أنه يدفع العذاب والمصائب والبلاء، بل إنه سبب لنزول المطر والإمداد بالمال والبنون، وسبب من أسباب الغفران «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً». والله الموفق.