رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الدولية .. والأزمة السورية


فهل يُمكن القول بأن التدخل الروسى لتقديم المعاونة الجوية لجيش النظام الحاكم سيعيـد الموقف إلى ما كان عليه قبل التقسيم وتعود الأراضى السورية موحدة كسابق عـهـدها على مر تاريخها.. هذا ما سأتناوله فى الأسبوع المقبل بإذن الله.

ذكرت فى المقال السابق أن الولايات المتحدة تمـر بعام الركود السياسى أو عام إعـداد وإدارة الانتخابات الرئاسية، العام الذى تمتنع فيه الإدارة الأمريكية عن اتخاذ أو تـفعـيـل أى قرار استراتيجى يُؤثـر فى سياستها أو أهدافها أو استراتيجيتها، واتساقا مع ذلك فإنها ستسعى إلى إدارة الأزمة السوريـة ولن تسعى إلى حلها، وحـددت ثلاثة سيناريـوهات فى قائمة أسبقيـات إدارتها لهذه الأزمة، الأول هو السعى الدؤوب لتهدئـة الموقف كأسبقية، والثانى هو تأجيج الأزمة لتستمـر للعام السادس، والثالث هو تحويـلها إلى صراع مزمن، وتهدف هذه السيناريـوهات الثلاثة إلى بقاء الوضع الراهن على ما هـو عليه، حتى ينتهى عام الركود السياسى وتأتى الولايات المتحدة برئيس جديـد يتـولى إدارة شئونها، ليحل محل الرئيس الأكثر فشلاً فى إدارة أقوى دولة فى العالم، والذى أتى بما لم يأت به الأولون فأعلن أن «التدخل الروسى دليـل على ضعـف الأسد»، وهو قول مغلوط إذ إن التدخل الروسى قـد ألقى الضوء الكاشف الواضح الفاضح على مدى ضعـف القائد السياسى الأمريكى وكذبـه، ذلك أنه وعـد شعـبه بالتغـلب عـلى التحديات ليبنى للولايات المتحدة مستـقـبـلاً باهراً، وأنه أتى إلى البيت الأبيض مفعـماً بالآمال لتحقيق هذا المستقبل، ووعـد العالم بولايات متحدة جديـدة، ووعـد العالم الإسلامى بفجر وشيك، ووعـد العالم العـربى بعلاقات يسودها الود والاحترام، ووعـد الفلسطينيين بحل الدولتين، ووعـد الجميع بكل شىء لكنه لم يعـط أحداً أى شىء.

ويبدو أن الولايات المتحدة بـدأت فى تنـفـيـذ السيناريـو الأول فى قائمة أسبقياتها، حيث أعلن وزيـر خارجية تركيا أن التدخل البرى التركى السعودى لم يكن مطروحاً من الأصل، كما أعلن كيرى ولافروف أن الولايات المتحدة وروسيا قـد توصلتـا إلى صيغة تفاهم لوقف نزيف الدماء فى سوريا تمهـيـداً للتوصل إلى حل سياسى دائم، الأمر الذى يشير إلى تهدئـة الموقـف لضمان بقاء الوضع الراهن على ما هـو عـليه، وللتدليل على كذب أوباما الذى كان يأمل التدخل فى سوريا قبل التدخل الروسى، أود أن أشير إلى مقال نُشر لى فى نفس المكان من الجريـدة يوم ٢٠ سبتمبـر2013 بعنوان «أوباما يسابق الزمن فى قرارته» ذكرت فيه أن الولايات المتحدة قررت التدخل فى سوريـا، بعـد أن أعلنت أن «النظام السورى لم يلتزم بالاتفاق الروسى الأمريكى، حيث استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعـبه، فإن المسئولية الأخلاقية للولايات المتحدة تقتضى تدخلها العـسكرى، حيث أصبحت الأزمة السوريـة قضيـة إنسانيـة فى المقام الأول»، ويلاحظ أنها نفس الذريعـة التى اسـتـخـدمتها إدارة الرئيس بـوش الإبن لغـزو العـراق، عـنـدما أعـلـن أن العـراق عـلى وشك امتلاك الرادع النووى، إن لم يكن قد امتلكه فعـلاً، وأن الرئيس العراقى يدعم المنظمات الإرهابية، فقامت بحشد تحالف لم تشهـده البشريـة من قبل، أسقطت به الرئيس العراقى وقسمت العـراق وأغرقته فى أتـون الفوضى العارمة، ودمرت أقوى جيش فى منطقة الخليج، ثم مكنت إيران من بسط نفوذها على العراق، الأمر الذى يؤكد أن الاستراتيجية الأمريكية تسعـى للتخلص من المقدرة السورية كما تخلصت من المقـدرة العـراقية.

ولتحقيق ذلك، قام رئيس الأركان المشتركة بعـرض خطة التـدخـل عـلى الكونجـرس الأمريكى، وأعلـن أن هـدف التدخل هـو «توجيه ضـربـات جـويـة ضد القوات البحرية والجوية السورية وقوات الدفاع الجوى لتدميـرها»، «هكذا كانت رؤية الجنرال الأمريكى أن أسلحة الدفاع الجوى والقوات البحريـة هى التى تقـتـل المعارضة المعتدلة»، أما الهدف الحقيقى فكان تدميـر القدرة العسكرية السورية لصالح الكيان الصهيـونى وحماية طائرات وقطع الأسطول الأمريكى التى ستقوم بالتدخل، وقد نتج عن هذا التدخل أن سيطر الأكراد عـلى منطقة رأس العـين وعلى بادية الشام، وقاموا بتشكيل حكومة مؤقـتة، وهو ما تـعارضه تركيا، حيث تُشكل الدولة الكردية على حدودها تهديـداً صريحاً لأمنها القومى، خاصة إذا تمكن الأكراد من تأسيس كيان قومى واحد يضمداخله أكراد سوريا والعـراق، كما تمكن الجيش الحر من السيطرة عـلى بلدة خان العـسل الإستراتيجية، وهو ما يعـنى أن الجيش السورى الحر كان يهدف إلى استكمال سيطرته على جميع مناطق حلب، وبذلك يصبح شمال شرق سوريا للكيان الكردى، وشمال غربها للجيش الحر السنى، بينما تبقى دمشق وجنوبها تحت سيطرة النظام السورى، وبذلك تتأجج الصراعات العرقية والمذهبية والسياسية فى سوريا، لتدخل سوريا فى فوضى عارمة من الصعـب إن لم يكن من المستحيل الخروج منها مثل العـراق، فهل يُمكن القول بأن التدخل الروسى لتقديم المعاونة الجوية لجيش النظام الحاكم سيعيـد الموقف إلى ما كان عليه قبل التقسيم وتعود الأراضى السورية موحدة كسابق عـهـدها على مر تاريخها.. هذا ما سأتناوله فى الأسبوع المقبل بإذن الله.

 أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة بورسعيد