رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

‏ملف.. "عمال التراحيل".. تاريخ من الإنجازات "مُلقى على الرصيف": قناة السويس والسد العالي والأهرامات «"إنجازات كُتبت بدمائهم"

جريدة الدستور

رغم كونهم طبقة مهشمة، يعتبرها البعض مُلقاة على الأرصفة، إلا أن دورهم في بناء إنجازات يفتخر بها ‏الوطن، حاضرة على الدوام في التاريخ، منسية في الوقع، حتى باتوا أشبه بقوة حديدية تستطيع بناء وطن ‏بأكمله بحضارة يفتخر بها.‏

هم عمال التراحيل، الذي يعملون في الهدم وأحيانًا في البناء.. هذه المهنة يقصرها البعض في مشهد العمال ‏المزدحمون على الأرصفة في الشوارع ومعهم أدواتهم، ليقومون بهدم حائط أو بناء جدار، إلا أن التاريخ ‏يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، أن هؤلاء العمال قامت على أكتافهم إنجازات عديدة كالأهرامات والسد العالي.

‏"الأهرامات":
على الرغم من اختلاف مسمى أصحاب هذه المهنة، بين عمال تراحيل أو بناة الأهرام، كما كان يطلق ‏عليهم قديمًا، إلا أن بناء الأهرامات الثلاثة قام على أكتاف عمال التراحيل، الذين كانوا يقومون بحمل ‏العديد من صخور البازلت والجرانيت لبناء أعلى الهرم، وكانوا يجلبون هذه الصخور إلى أماكن العمل من ‏خلال المراكب في نهر النيل.‏

كان العمال يقومون ببناء سلالم بواسطة الطوب لاستخدامها في عملية البناء ورفع الحجارة، كما أنهم ‏كانوا يستخدمون بعض الأدوات لتكسير وتقطيع الصخور، ومن بين هذه الأدوات المطرقة والأزميل ‏والمعاول، فظهرت من هنا مهنة عامل التراحيل.‏‎

‏"قناة السويس"
واحدة من الإنجازات التي شيدها عمال التراحيل ولم يُذكر أسمائهم، وهي عملية حفر قناة السويس التي ‏تمت بسواعد نحو مليون عامل‎ ‎مصري،‎ ‎‏ في الوقت الذي وصل فيه عدد سكان‎ ‎مصر‎ ‎لأقل من 4 ملايين، ‏فيما يعرف بنظام السخرة، الذي مات خلاله أكثر من 120 ألف‎ ‎مصري من عمال التراحيل.‏

جاءت وفاتهم‎ ‎أثناء عملية الحفر على إثر الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة، ومعظمهم لم يستدل ‏على جثمانه ودفن في الصحراء أو تحت مياه القناة.‏

وشهدت سنوات الحفر الأولى للقناة أكبر عملية حشد للعمال بلغت في عام ‏‎1862 ‎ما بين 20 ألف و22 ‏ألف عامل يساقون لساحات الحفر في الشهر الواحد، قادمين من الوجهين القبلي والبحري.‏

وعند عملية فرز عمال التراحيل كان يتم استبعاد أصحاب الأجسام النحيلة ويختار منهم الشبان الأقوياء، ‏الذين يرسلون إلى منطقة القناة سيرًا على الأقدام في أربعة أيام، وهم مقيدين بالحبال يحمل كل منهم "قلة" ‏ماء وكيس خبز جاف، فيصلون إلى ساحات الحفر منهكي القوى، فيتبع وصولهم إصدار الأوامر بتسريح ‏العمال القدامى الذين أمضوا شهرًا كاملا وهي المدة المقررة لبقائهم. ‏

‏"السد العالي"
هو ثالث أكبر إنجاز في تاريخ عمال التراحيل المصريين، فقد شاركوا في ذلك البناء الذي تجاوز ما عداه ‏من المشروعات الهندسية المعمارية من حيث أهميته وطريقة بناؤه، حيث اختارته الهيئات الدولية حينئذ ‏كأعظم مشروع هندسي شيد فى القرن العشرين متفوقًا علي 122 مشروعا عملاقا في العالم.‏

كان للعمال دورًا فيه، حيث عملوا على نقل الرمال والصخور، التي يتم من خلالها ردم المجرى القديم ليبدأ ‏العمل بالمجرى الجديد للسد، وكانت الأرواح تزهق أسفل هذه الصخور العملاقة وأثناء عمليات التفجير.‏

وتساق مجموعات العمال من الجهتين الشرقية والغربية لنهر النيل أثناء عملية ردم المجرى القديم وقبل ‏تفجير المجرى الجديد؛ حتى يكون أحدهم أول شخص يعبر على جسم السد، وتحول شكل الصخور إلى ‏غمامة من العمال الذين تسابقوا لنيل هذا الشرف العظيم‎.‎

كما شهد المشروع العديد من الحوادث التي راح ضحيتها الكثيرون منها علي سبيل المثال مصرع وردية ‏كاملة تضم 130 شخصًا سقطت عليهم الصخور في المرحلة الأولي من بناء السد، ورغم ذلك كان العمل ‏يستمر بدون توقف، على سواعد ودماء عمال التراحيل.‏