ملف.. "عمال التراحيل".. تاريخ من الإنجازات "مُلقى على الرصيف": قناة السويس والسد العالي والأهرامات «"إنجازات كُتبت بدمائهم"
رغم كونهم طبقة مهشمة، يعتبرها البعض مُلقاة على الأرصفة، إلا أن دورهم في بناء إنجازات يفتخر بها الوطن، حاضرة على الدوام في التاريخ، منسية في الوقع، حتى باتوا أشبه بقوة حديدية تستطيع بناء وطن بأكمله بحضارة يفتخر بها.
هم عمال التراحيل، الذي يعملون في الهدم وأحيانًا في البناء.. هذه المهنة يقصرها البعض في مشهد العمال المزدحمون على الأرصفة في الشوارع ومعهم أدواتهم، ليقومون بهدم حائط أو بناء جدار، إلا أن التاريخ يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، أن هؤلاء العمال قامت على أكتافهم إنجازات عديدة كالأهرامات والسد العالي.
"الأهرامات":
على الرغم من اختلاف مسمى أصحاب هذه المهنة، بين عمال تراحيل أو بناة الأهرام، كما كان يطلق عليهم قديمًا، إلا أن بناء الأهرامات الثلاثة قام على أكتاف عمال التراحيل، الذين كانوا يقومون بحمل العديد من صخور البازلت والجرانيت لبناء أعلى الهرم، وكانوا يجلبون هذه الصخور إلى أماكن العمل من خلال المراكب في نهر النيل.
كان العمال يقومون ببناء سلالم بواسطة الطوب لاستخدامها في عملية البناء ورفع الحجارة، كما أنهم كانوا يستخدمون بعض الأدوات لتكسير وتقطيع الصخور، ومن بين هذه الأدوات المطرقة والأزميل والمعاول، فظهرت من هنا مهنة عامل التراحيل.
"قناة السويس"
واحدة من الإنجازات التي شيدها عمال التراحيل ولم يُذكر أسمائهم، وهي عملية حفر قناة السويس التي تمت بسواعد نحو مليون عامل مصري، في الوقت الذي وصل فيه عدد سكان مصر لأقل من 4 ملايين، فيما يعرف بنظام السخرة، الذي مات خلاله أكثر من 120 ألف مصري من عمال التراحيل.
جاءت وفاتهم أثناء عملية الحفر على إثر الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة، ومعظمهم لم يستدل على جثمانه ودفن في الصحراء أو تحت مياه القناة.
وشهدت سنوات الحفر الأولى للقناة أكبر عملية حشد للعمال بلغت في عام 1862 ما بين 20 ألف و22 ألف عامل يساقون لساحات الحفر في الشهر الواحد، قادمين من الوجهين القبلي والبحري.
وعند عملية فرز عمال التراحيل كان يتم استبعاد أصحاب الأجسام النحيلة ويختار منهم الشبان الأقوياء، الذين يرسلون إلى منطقة القناة سيرًا على الأقدام في أربعة أيام، وهم مقيدين بالحبال يحمل كل منهم "قلة" ماء وكيس خبز جاف، فيصلون إلى ساحات الحفر منهكي القوى، فيتبع وصولهم إصدار الأوامر بتسريح العمال القدامى الذين أمضوا شهرًا كاملا وهي المدة المقررة لبقائهم.
"السد العالي"
هو ثالث أكبر إنجاز في تاريخ عمال التراحيل المصريين، فقد شاركوا في ذلك البناء الذي تجاوز ما عداه من المشروعات الهندسية المعمارية من حيث أهميته وطريقة بناؤه، حيث اختارته الهيئات الدولية حينئذ كأعظم مشروع هندسي شيد فى القرن العشرين متفوقًا علي 122 مشروعا عملاقا في العالم.
كان للعمال دورًا فيه، حيث عملوا على نقل الرمال والصخور، التي يتم من خلالها ردم المجرى القديم ليبدأ العمل بالمجرى الجديد للسد، وكانت الأرواح تزهق أسفل هذه الصخور العملاقة وأثناء عمليات التفجير.
وتساق مجموعات العمال من الجهتين الشرقية والغربية لنهر النيل أثناء عملية ردم المجرى القديم وقبل تفجير المجرى الجديد؛ حتى يكون أحدهم أول شخص يعبر على جسم السد، وتحول شكل الصخور إلى غمامة من العمال الذين تسابقوا لنيل هذا الشرف العظيم.
كما شهد المشروع العديد من الحوادث التي راح ضحيتها الكثيرون منها علي سبيل المثال مصرع وردية كاملة تضم 130 شخصًا سقطت عليهم الصخور في المرحلة الأولي من بناء السد، ورغم ذلك كان العمل يستمر بدون توقف، على سواعد ودماء عمال التراحيل.