رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعويض مصر عن حقبة الاحتلال (1)


رغم كل سوءات العقيد معمر القذافى، إلا أنه نجح فى إجبار إيطاليا على دفع مليارات الدولارات، تعويضاً لليبيا عن سنوات الاحتلال الإيطالى إبان بدايات القرن المنصرم.. وإذا كانت المليارات الإيطالية شحيحة عن معادلة سنوات القهر والنهب للشعب الليبى،

فإنها شكلت اعترافاً وإقراراً من الدول المعاصرة عن مسئولياتها عن جرائم أنظمتها السابقة، خاصة خلال حقب الاحتلال لدول العالم الثالث، أو ما اصطلح على تسميته «عصر الاستعمار الأجنبى»، وهو اصطلاح مغلوط، يضفى على الغزو وانتهاك استقلال وسيادة الدول، مدلولات ومضامين التعمير والتحديث للدول التى اكتوت بنار وقهر المحتل الغازى!!

وفى سياق مقارب، نجحت إسرائيل لأبعد مدى فى استغلال «الهولوكوست» أوالمحرقة النازية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، واستنزاف ألمانيا ودفعها لتعويض تل أبيب بعشرات مليارات الدولارات مازالت تتدفق حتى الآن، الإسرائيليون لم ينجحوا فقط فى استثمار المأساة اقتصادياً، وإنما ابتزوا الغرب سياسياً ومعنوياً وسجلوا أهدافاً استراتيجية عديدة، بدءاً من وعد بلفور وإنشاء الدولة، مروراً بالدعم الكامل فى عدوانهم المتواصل على العرب، انتهاءً بضمان تفوقهم العسكرى وتفردهم النووى وتهربهم من الاستحقاقات المترتبة على القرارات الأممية.

بدأ الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882بسقوط آلاف المقاومين من جيش عرابى فى عديد من المعارك الدفاعية أبرزها «التل الكبير» وطال لأكثر من 70عاماً ارتكب اثناءها الاحتلال فظائع بشعة، كمذبحة «دنشواى» فى ريف المنوفية، ومجزرة للبوليس بالإسماعيلية فى 25يناير 1952، والكثير من وقائع مرمطة «الكرامة المصرية» فى التراب أبرزها حادثة 4 فبراير1942، ولا ننسى أن بريطانيا العظمى كانت مدينة لمصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 بـ500 مليون جنيه استرلينى، ولم تسدد الدين حتى الآن، وهو مايعادل بحسابات الزمن والتضخم 500مليار استرلينى!!

وإذا كان الشىء بالشىء يذكر، فإسرائيل شنت أكثر من عدوان على مصر، واحتلت سيناء و«نزحت» بترولها ومعادنها وخيراتها لسنوات، وعطلت الملاحة فى قناة السويس، واقترفت جرائم حرب ضد الأسرى المصريين، وأطفال مدرسة «بحر البقر» وعمال مصنع «أبو زعبل»، وأسقطت طائرة ركاب مدنية فوق سيناء عام 1973 كان ضمن ركابها المذيعة الشهيرة «ليلى رستم»، علماً أن القذافى دفع مليارات الدولارات تعويضا عن إسقاط طائرة «لوكيربى».

وفرنسا احتلت مصر وسرقت آثارها، والمسلة الفرعونية فى ميدان «الكونكورد» بباريس شاخصة وشاهدة، ومتحف اللوفر ملىء بكنوز أجدادنا، ورأس مليكتنا «نفرتيتى» تتصدر متحف برلين، والعديد من عواصم العالم لا تخجل من تجميل متاحفها وميادينها بالآثار المصرية المنهوبة.

أليس من حق مصر أن يتم تعويضها عن الاحتلال الأجنبى والمجازر ضد شعبها، والنهب والتجريف المنظم لثرواتها، ألا تعد الدول المحتلة مسئولة وفقاً للقانون الدولى عن الإدارة العادلة للدول التى تحتلها؟؟.

إننى أدعو «الجميع» إلى تبنى مبادرة تشكيل هيئة قومية لتعويض مصر عن حقبة الاحتلال الأجنبى تضم نخباً من السياسيين والقانونيين والاقتصاديين والإعلاميين والأثريين والمؤرخين... وللحديث بقية السبت المقبل.

■كاتب صحفى