رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قوانين كبار السن... منزوعة الدسم والعدالة!


منذ سنوات قدم أحد وزراء الصحة السابقين قانون «التأمين الصحى».. كان يحتوى على كلمة واحدة فى مضمونه وهى «العلاج بالأجر»!! ارتفعت صيحات المواطنين والنقابات وخرجنا نحن أصحاب المعاشات فى مظاهرة أمام مجلس الشعب.. وسقط القانون قبل أن يصدر.. لقد سحبته الحكومة أمام غضب الجماهير.. الآن.. يعود من جديد «قانون التأمين الصحى» يحتوى على نفس المضمون العلاج بالأجر!! ترتفع الشعارات الآن لتطوير التأمين الصحى ورفع كفاءته وزيادة فاعليته حتى يحقق العلاج المطلوب!..

هذه الشعارات هى نفس الشعارات القديمة!! الحقيقة أن هذا القانون يضرب بقوة العدالة الاجتماعية. كيف يمكن أن تتحول قلعة التكافل الاجتماعى فى العلاج إلى علاج بالأجر؟! إن من يملكون يستطيعون العلاج فى الداخل والخارج.. لكن الأغلبية العظمى من الشعب التى لا تملك قوت يومها كيف يمكن أن تشترى علاجها وهى غير قادرة حتى على شراء طعامها؟!

إن العاملين فى كل مؤسسات الدولة يدفعون الاشتراكات وكذلك أصحاب المعاشات والدولة يسهمون فى ذلك أيضاً ولكن ما يحدث الآن يعد من الجرائم ضد الإنسانية.. إن من لا يملك قيمة علاجه سوف يتعرض للموت الحتمى رغم أن الدستور منح العلاج كحق من الحقوق الأساسية عندما يرتبط بالأجر فهذا يعنى أنه اعتداء على الدستور نفسه.. إننا مع تطوير التأمين الصحى وزيادة الاشتراكات.. لكننا لسنا مع ربط العلاج بالأجر..

إن مضمون القانون سيجعل المواطن يدفع قيمة الأشعة والتحاليل. ونسبة من قيمة الدواء.. حتى قيمة الكشف الطبى سيدفعه المواطن أيضاً.. بل وصل الأمر فى مضمون القانون أن يذهب المواطن إلى المستشفيات الاستثمارية والخاصة ويدفع نسبة كبيرة فى علاجه.. ويعتبرون كل ذلك تطويراً «للتأمين الصحى»!! إن هذا القانون فى حالة تطبيقه على الدولة والحكومة أن تعد لنا مساحات كبيرة.. لإقامة «مقابر» عامة وخاصة كى تلبى طلبات المواطنين العاجزين عن دفع قيمة العلاج.. إننا نسأل ونعلم حقيقة الرد على السؤال.. أين حق المواطنة. وحقوقنا الوطنية فى ثروات بلادنا؟! طبعا نعلم تماماً أننا فى زمن لم نكن نتوقعه.. حتى فى كوابيس الأحلام!!

ونفس المجموعة وقائدها العظيم الذى أتى لنا منذ عام 2006، حيث أتى به المدير المالى لصندوق النقد الدولى «يوسف بطرس غالى» هو الذى ينفذ روشتة الصندوق! إنه يقوم الآن بالاشتراك فى بعث قانون التأمينات 135 لسنة 2010.. حيث أسقطته ثورة 30 يونيه وبعد وفاتها يبعث الآن القانون مرة أخرى فى ظل مناخ تأمم فيه الحرية وتعلو أصوات كان لا يمكن أن نسمعها لكنها الآن أصبحت عالية بعد أن تم إسكاتنا!! إن قانون التأمينات الجديد المزمع إرساله إلى البرلمان يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان.. فهو قانون ادخارى استثمارى يقوم على أساس «تدفع أكثر. تاخد أكثر»!! أى أنه قانون منزوع منه العدالة والتكافل الاجتماعى إنه قانون يمثل أحد شروط صندوق النقد اللعين!! ويقوم القانون على أساس وضع أصحاب المعاشات البالغ عددهم 9 ملايين أسرة فى سجن اجتماعى حتى يتم الخلاص منه.. «طبعاً بالموت».. إن الجماهير والطبقات الشعبية أصبحت الآن تتعرض لعواصف تشريعية لم تتعرض لها من قبل.. كما أن السؤال الأهم.. أين هى النقابات المهنية كى تدافع عن أعضائها؟! وأين هو الاتحاد العام لنقابات العمال فيما يشرع الآن.. حيث تتعرض الملايين العمالية لحاضر ومستقبل لقوانين تمثل الرعب الاجتماعى؟! لقد استغل أنصار صندوق النقد الأوضاع السياسية بالبلاد وما يتعرض له الوطن من أخطار فى تطبيق ما فشلوا فيه حتى فى زمن عصر «مبارك نفسه»!!

لقد أغلقت أمامنا «منافذ الحرية». ولم نعد قادرين على التصدى لهؤلاء الذين يشرعون لنا قوانين سيئة السمعة لكننا سنقاوم بكل ما نملك وما هو متاح لنا.. مهما كانت الضحيات لأننا نعلم أن ما يحدث الآن فوق ما كنا نتصور حتى فى أسوأ الأوقات!! إن الذين يعدون الآن قوانين موجهة إلى الأغلبية العظمى من جماهير إنما يعتدون عليها مستغلين فى ذلك ما تعيشه البلاد من ظروف صعبة للغاية.. لكنهم لا يعلمون أن هؤلاء الناس خاصة كبار السن منهم هم الذين خرجوا أمام صناديق الاقتراع كى يقيموا مؤسسات الدولة.. إن كبار السن وقفوا منذ الفجر طوابير كى يصبح لنا دستور.. ثم وقفوا أيضاً كى يأتى لنا رئيس. ثم ذهبوا كى يصبح لنا برلمان.. الآن يحصلون على مكافآت نهاية دورهم الوطنى بتشريع قوانين تعتدى عليهم فى صحتهم وفى حياتهم المعيشية!! إن ما يحدث الآن لنا ونسمعه فى الفضائيات ومانشتات الصحف لم نكن نتوقعه فعلاً.. هل هذا عقاب؟؟ وهل ما يعد لنا الآن هو ما كنا ننتظره؟! لقد أصبح الإرهاب هو القناع الذى تختفى خلفه كل ما يريدون للوطن سوءاً.. ويعملون على رفع درجة الاحتقان بين الجماهير حتى يحققوا ما فشل فيه الإرهاب نفسه.. إن الاعتداء بالقوانين على كبار السن.. وحرمان بعض أبناء الأسر من أن يرثوا معاشات والدهم هو اعتداء مباشر على المواطنين والدستور نفسه.. إن البعض يقول إن البرلمان هو الذى سوف يصبح المسئول عن القوانين. نقول لهم «قديمة» إن ما يعد له الآن سوف يتم تطبيقه فى ظل حريات مؤممة والمنع من الكلام أصبح سياسة دائمة.. لكن كل هذا يتضاءل تماماً أمام صيحات الجماهير.. عندما تسمع!