رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنت حامل يا مصيلحى.. قصة لـ"يسرى أبوالقاسم"

يسرى أبوالقاسم
يسرى أبوالقاسم

لو مسكتش هوديك لمصيلحى ياكلك ..كلما مررنا بداره تذكرنا هذه العبارة التى سمعناها من أمهاتنا فى الصغر .. ومازال أطفال قريتنا ينامون عليها كل مساء .. المدهش فى الأمر أن مصيلحى لا يأكل لحوم الأطفال ..ولا حتى لحوم الحيوانات أو الطيور .. فبرغم بدانته المفرطة إلا أنه نباتى ..
أعوام تجر أعوام.. ومازال مصيلحى متكئا على جدار بيته.. لا يحرك ساكنا إلا ماء يقرقر فى الشيشة التى لا تفارقه ..
أمام بيته كشك تقف فيه ابنته مديحة .. لذا كان مصيلحى يراقب كل من يقترب من الكشك .. فللرجل وزن فيل وحركة سلحفاة وعينى صقر ..
من شهور تمت خطبة مديحة على ابن خالتها الذى يعمل فى سنترال بالقاهرة .. وستذهب معه بعد الزواج ..
فى يوم الخطوبة كان مصيلحى مهموما .. فلا يمكن أن تقف زوجته فى الكشك تبيع للناس فهذا لا يليق فى قريتنا .
وهو رجل بدين جدا لا يقدر فى الحركة إلا فى الجلوس والقعود فمن أين له بالبيع والشراء ..
والمصيبة الكبرى أن هذا الكشك هو مصدر دخلهم الوحيد .
قالت له زوجته : شوف حد يقف فى الكشك يا مصيلحى البنت هتجوز خلاص
فرد مصيلحى باستهزاء : هيسرقنى ياوليه
وضعت زوجته يدها على خصرها وقالت: يسرق إيه يا حسره ده كل اللى فى الدكان ميكملوش خمسمية جنيه
فقال مصيلحى: خلاص نجيب شاب معاه كلية نديله ألفين جنيه فى الشهر علشان يبيع بضاعة بخمسمية جنيه.. يظهر إنك اتخبلتى يازهيرة .. مفيش غير حل واحد
قالت بلهفة :حل إيه.
فقال ساهما :إنى أخس
ذهب مصيلحى إلى البندر ولأننى أمتلك سيارة ملاكى يستأجرها أهل القرية وقت الحاجة ذهبت معه وكان يوما ثقيلا كما مصيلحى
انزعج المرضى حين دخلنا عيادة الطبيب ..رغم أنهم جاءوا أيضا لنفس العلة ..لكن بدانة مصيلحى لم ترد.. فوزنه يزيد على المائة وخمسين كيلو جرام ..
دخلنا غرفة الكشف فنظر الطبيب إلى مصيلحى ثم نظر إلى السقف.. وأمعن النظر لدرجة أننى فكرت.. أن روشتة الدواء مكتوبة على سقف الغرفة.
ولما نزل بعينيه سأل مصيلحى هل هذا الشخص قريبك ؟
قال مصيلحى أيوه ابن أختي
قالها من قبيل المجاملة فلا قرابة بينى وبينه.. هز الطبيب رأسه وأمر مصيلحي أن يعتلى سرير الكشف.. فرد مصيلحى ذراعيه وقال: ارفعونى .
قال الطبيب ارفع خالك
قلت ولا أعرفه ..
ضحك الطبيب ورفع جلباب مصيلحى وكشف على بطنه التى تشبه خيمة كبيرة .. هز الطبيب رأسه منزعجا وقال: إزاى كده
ثم جاء بجهاز مرره على كرش مصيلحي وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ..
امتقع وجه مصيلحى وقال :إيه هموت
فقال الطبيب: ياريت كان أسهل ..
فقال مصيلحى: هو فيه أعفش من الموت ..
فقال الطبيب : أيوه الفضيحة أصعب من الموت ..إنت حامل يا مصيلحى ..
انتابنى شعور بالخوف الشديد أقعدنى على الأرض رغم أن الكرسى كان أمامى فارغا ..
قال مصيلحى وهو فى قمة الهزيمة: أنا راجل محترم يا دكتور عيب كده
فقال الطبيب :حتى الراجل اللى مش محترم مش بيحمل يا مصيلحى
فقال مصيلحى وهو يبكى : أمال إزاى يا دكتور فهمنى
رفع الطبيب نظارته السميكة لأعلى .. وأشعل سيجارتين وضع أحدهما فى فمه والأخرى فى فم مصيلحى ..الذى أخرج منها سحابة سوداء فى جزء من الثانية ..
وقال : أنت حامل بالإيحاء
فقال مصيلحى: أنا أعرف أن الإيحاء دى كلمة عيب ..
فقال الطبيب: لا مش اللى فبالك الإيحاء أنك حملت تعاطفا مع مراتك
فقال مصيلحى: مراتى مخلفتش غير بنت واحدة ومن عشرين سنة. .
ضحك الطبيب وقال زى ما توقعت .. بص يا مصيلحى أنا هديك علاج يسقط الجنين
بس تمشى كل يوم حوالى ساعتين ومتحكيش الموضوع ده نهائيا خليه جواك فكر فيه وحدك .. علشان متتفضحش ..وادعى ربنا الموضوع ده يعدى على خير.
وأكد الطبيب حديثه مندهشا .. وقال : بس أنا مستغرب إنت راجل عندك حوالى خمسين سنه تحمل بالإيحاء إزاى ..
خرجنا أنا ومصيلحى وعلبة برشام أعطانا إياها الطبيب.. وجنين لا نعرف مصدر وجوده .. ومن هو أبوه .. لقد عرفت إنه هو ..الإيحاء .. أوصانى مصيلحى بألا أفشى سره .. ولحسن حظه سافرت إلى الغردقة بعد خلاف مع والدي بسبب السيارة .. فلم اتمكن من إفشاء سره .
اتصل بى والدى بعد شهرين وتصالحنا ..ولما نزلت القرية ..فإذا بى أجد رجلا رشيق القوام لكنه هزيل فى مشيته .. نعم إنه مصيلحى.. لم يتبق من الرجل أكثر من خمسه سبعين كيلوجرام بحد أقصى .. احتضننى ثم سألنى عن السر فاقسمت له أننى لم أحادث به أحدا .. طلب منى أن نعود إلى الطبيب .. ولما عدنا ..
ضحك الطبيب بهيستيريا وقال : لقد نجحت .. فقال مصيلحى أنا فى الجنين.. مش فى نجاحك يا دكتور
فقال الطبيب : جنين إيه إنت صدقت إنك حامل يا مصيلحى
فقال مصيلحى: يعنى أنا مش حامل
الطبيب: لا
مصيلحى : ولا كنت حامل
الطبيب : ولا كنت حامل
مصيلحى : طب إنت قلت كده ليه
الطبيب: لأن مفيش حاجة ممكن تخسسك زى الفكر يا مصيلحى .
تمت