رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة الرحاب


«ارحل.. ارحل».. «مش هانمشي.. هوا يمشي».. «الشعب يريد تطهير الجهاز».. «يارب يا الله .. خد حداية.. واللي معاه».. استيقظنا في الرحاب أمس الأول الأحد علي هدير هذه الشعارات التي هزت أرجاء المدينة والتي رددها الآلاف في الشوارع الرئيسية وأمام مقر الجهاز الرئيسي.. والجهاز المقصود في هذه الهتافات هو جهاز مدينة الرحاب.. وحداية هو رئيس الجهاز .. والآلاف الذين هزوا المدينة الهادئة هم أفراد الأمن وعمال النظافة والبيئة والجراجات.

كنا نظن أننا ودعنا الثورات.. ولكن المفاجأة أن شعاراتها عادت إلي مسامعنا من شوارع الرحاب.. تلك المدينة التي لم تشارك لا في ثورة 25 يناير ولا في 30 يونية.. فهي مدينة ساكنة لا علاقة لها بالثورات باستثناء المشاركة المحدودة لعمال السوق التجاري التي عادة ما تكون في الميدان الذي يتوسط منطقة البنوك والسوق والمطاعم المفتوحة.

المشهد كان مأساوياً.. المدينة أصيبت بالشلل وأصبح سكانها مهددين .. فأفراد الأمن المنوط بهم حفظ الأمن غابوا بفعل الإضراب وليس هذا فحسب ..بل إنهم استغلوا ضعف الإدارة ومنعوا قيادات جهاز المدينة من الاستعانة بأفراد أمن من مدينتي لإنقاذ الموقف.. وإذا افترضنا أننا سنحمي أنفسنا فإن الأخطر في نظري هو إضراب عمال النظافة والبيئة لأن هذا يهدد المدينة بكارثة بيئية وصحية خطيرة.. هذا فضلاً عن الصورة المسيئة التي تمثلت في المسيرة الحاشدة التي أصابت المرور بالشلل، وفي هدير الأصوات الذي أفزع سكانها، وفي الطرق الجماعي علي زجاجات المياه الفارغة وهو مشهد لا يحدث إلا في حواري المناطق العشوائية.

وقع سكان الرحاب ضحايا لأزمة وقعت بين إدارة المدينة متمثلة في الثالوث الفاشل وائل الديب ومصطفي حداية وهشام عبدالقادر وبين أفراد الأمن وعمال النظافة والبيئة والجراجات الذين تحولوا إلي قوة لا يستهان بها .

فالذي لا شك فيه أن عمال الجراجات وتنظيف السيارات تحولوا إلي بلطجية، وعمال النظافة تحولوا إلي متسولين، وأفراد الأمن تحولوا إلي سماسرة وغير متواجدين، والسبب الرئيسي في هذا هو سوء اختيار هذه العناصر من الأساس .. وهذا لا ينفي عن البعض منهم الالتزام والكفاءة والخبرة النادرة والتفاني في العمل والأداء علي أكمل وجه .. ومن هنا كان قرار الإدارة صائباً باستبدال هذه العمالة بشركات متخصصة.. ولكن نظرا لانعدام خبرة الثالوث الفاشل الذي يدير المدينة فقد أخطأوا التطبيق .. فلا يمكن أبدا أن يتجاهل أي مدير عاقل قاعدة الأوضاع المستقرة.. فهؤلاء مسئولون عن أسر وبيوت وأن أقل فرد فيهم تزيد مدة خدمته في الشركة علي 10 سنوات، فكيف يتم التعامل معهم بهذا الشكل اللا إنساني؟

إن الحل يجب أن يتضمن توزيع جزء من هذه العمالة علي شركات الأمن الجديدة في الرحاب ومدينتي وباقي مشروعات طلعت مصطفي، وإنهاء عمل جزء آخر بتعويضات تتضمن شهراً عن كل سنة خدمة، أما الذي يرفض هذا وذاك فيتم فصله تعسفياً، وأعتقد أن جميعهم سيقبل الحلول خاصة أن أغلبهم غير معين.. كنت أتمني من القيادات الفاشلة التي ابتلانا بها المهندس طارق طلعت أن يتعلموا من ناجي التوني القيادة الناجحة التي تمت التضحية بها من أجل الفشلة الجدد ..لقد أنهي التوني أزمة عمال ليلاك في صمت دون أن يشعر بها أحد.

هذا عن الأزمة.. أما ما ردده العاملون من اتهامات لمصطفي حداية رئيس الجهاز أثناء المسيرة فهو أمر لا يجب أن يمر مرور الكرام خاصة فيما يتعلق بموضوع الحديد.. ولا أستطيع هنا أن أبرئ حداية أو أدينه .. ولكن الشفافية تقتضي أن يقوم المهندس طارق طلعت بتشكيل لجنة للتحقيق في هذه الاتهامات التي سمعها السكان وتركت شيئاً ما في نفوسهم علي أن تصدر هذه اللجنة بياناً توضح فيه الحقائق كاملة لأن السكان الذين يدفعون الملايين شهرياً تحت بند الصيانه لن يسمحوا بسياسة الطناش بعد الذي سمعوه .

أعلم أن هشام طلعت مصطفي يتألم في محبسه الآن .. فالرجل الذي أسس وشيد أجمل مدينة في مصر لم يكن يتصور أن يأتي اليوم الذي تشهد فيه تلك المدينة هذه المأساة.. وأعتقد أن ما وصلنا إليه في الرحاب وقريبا في مدينتي هو بفعل قيادات فاشلة وضعيفة لم تتمكن من تعويض غياب المؤسس هشام طلعت، وأنا هنا لا أقصد المهندس طارق طلعت لأن الرجل يحسب له أنه حافظ علي هذا الكيان العملاق من الانهيار وقاد السفينة إلي بر الأمان.. ولكني هنا أقصد قيادات فاشلة وجدت نفسها في مواقع أكبر من امكانياتها بكثير ويجب أن ترحل، علي أن يتم تحميل قيادات أخري تمتلك الخبرة والكفاءة مسئوليات أكبر.

فقد سبق أن قلت إن حداية رئيس جهاز مدينة الرحاب لا يصلح أن يدير العمارة التي يسكن فيها، وأن نائبه هشام عبدالقادر رجل مهذب لكن لا وجود له .. أما المهندس وائل الديب الذي كتبت عنه من قبل مشجعاً.. فقد عاتبني صديق لي بمجموعة طلعت مصطفي وقال لي لقد أخطأت فيما كتبت عن الديب، فقلت له إن الرجل أنجز في الشهور الأولي لتوليه منصبه.. فقال لي هذا آخره ..عدة أشهر.. وأنه - أي الديب -لن يستطيع تعويض غياب أشرف البنا في مدينتي ولن يفعل شيئاً في الرحاب لأن الجميع يعرف أن حداية هو الذي يحرك الديب.. وتحقق ما قاله فسرعان ما عاد الانهيار للرحاب، ولم يستطع الديب تعويض غياب أشرف البنا لأن الفارق بينهما كبير.. فالبنا بصرف النظر عن أسباب تغييره إلا أنه كان دارساً لإدارة المدن، ومارس ذلك في الخارج وما يحدث في مدينتي من تماسك لمنظومة الإدارة يرجع إلي الأسس والقواعد والمنهج الذي وضعه البنا ..أما الديب فلا يصلح إلا لإدارة مجموعة عمال في مشروع إنشائي من المشروعات التي يشرف عليها الإمبراطور أحمد عفيفي ..هذا آخره ..

وأعتقد أنه لم يعد أمام المهندس طارق طلعت إلا الاستعانة بالقيادات العاقلة الحكيمة صاحبة الخبرة والكفاءة من نواب رئيس مجلس الإدارة أمثال شريف غنيم دينامو المجموعة الذي حقق نتائج مذهلة رغم الأزمات التي شهدتها البلاد السنوات الماضية، ومحمد نوح العمود الفقري الذي يتعامل مع آلاف العملاء في الرحاب ومدينتي ويحقق أهدافه وسط حالة من الرضا فهو يقدم التيسيرات واضعاً في الاعتبار ظروف الثورتين وفي نفس الوقت لا يضر بمصالح المجموعة، وكذا جمال الجندي الدبلوماسي الذي يجب أن يكون له دور أكبر .

إن هموم الرحاب ومدينتي التي سنتناولها في المقال القادم أصبحت ثقيلة وتحتاج إلي مشرط جراح قبل فوات الأوان.