رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشرق الأوسط الجديد!!


عندما فكر الأوروبيون فى أن يكون لهم كيان موحد كانت نفس الفكرة قد تبلورت لدى العرب قبل أوروبا منذ إنشاء الجامعة العربية عام 1945 غير أن الناطقين بلغة الضاد نجدهم قد تمهلوا وتراجعوا وتفرقوا وسيطرت على الفكر والعقل العربى اتجاهات انعزالية رغم توافر عوامل نجاح توحدهم متمثلة فى اللغة والدين والميراث الحضارى والتاريخى.

بينما نجح الأوربيون فى الاتحاد رغم وجود عوامل الاختلاف فى الجذور والفروع على حد سواء بالنسبة للغة والثقافة والتوجه والموروث الحضارى نقول نجحوا ليس لشىء سوى أنهم أدركوا فى وقت مبكر أن الاقتصاد أنجح وسيلة لتقارب المصالح وتوحد الأهداف، ومن هنا ألقت القوة الاقتصادية بظلالها على باقى السياسات الأوروبية، وفى الوقت نفسه شكلت صورة إيجابية عامة فى ذهنية الآخر عن أوروبا الموحدة فى القرن الحادى والعشرين.

فيما سادت الأمة الإسلامية والعربية على وجه التحديد سياسات نلاحظ أنها لم تخدم شعوبها بقدر ما تخدم أعداءها وفى المقدمة إسرائيل التى طرحت مفهوماً جديداً هو فكرة « الشرق الأوسط الجديد» فى حقبة التسعينيات على لسان شيمون بيريز الذى عرف بصراحة أن يقرأ الواقع العربى بشكل جيد ورغم الصورة الوردية التى رسمها بيريز للمنطقة فى كتابه الذى صدر فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى ويحمل نفس العنوان إلا أنه كان فى واقع الأمر يخفى صورة أخرى على قدر كبير من البشاعة المتوقعة ولم تظهر للعيان إلا بعد حدوث ما اتفق الفكر السياسى الغربى على تسميته «ثورات الربيع العربى»!!

وتتجسد معالم الصورة التى رسمها السياسى الإسرائيلى فى تفوق حضارى شكلاً وموضوعاً من جانب إسرائيل لكى تبدو واحة غناء وسط صحراء عربية قاحلة أو دعونا نقول تصبح جزيرة خضراء وسط بحر عربى متلاطم الأمواج بدءاً من العراق وسوريا وليبيا وصولاً إلى اليمن الذى كان سعيداً ليبرز أمامنا تناقض رئيسى صنعته إرادات أطراف إقليمية ودولية للحد من المد العربىوالإسلامى لا سيما بعد أن تعامل الغرب مع المسلمين على أنهم عدو بديل بعد انهيار الاتحاد السوفييتى وانفراط عقد المعسكر الشرقى وانتهاء ما اصطلح على تسميته فى العلاقات السياسية الدولية «الحرب الباردة»! .

وتأكدت هذه الفكرة أى «العدو البديل» بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 على الولايات المتحدة، وهكذا خرج الإرهاب الدولى من رحم سياسات معادية للعرب والمسلمين قامت بصنعه ودعمه ولنا فى موقف الولايات المتحدة من تنظيم القاعدة عبرة تاريخية منذ الغزو السوفييتى لأفغانستان عام 1979حتى وصلنا إلى مرحلة توظيف التنظيمات الإرهابية وجعلها أداة زرعت فى المنطقة العربية لتكريس صورة الشرق الأوسط الجديد كما أرادها بيريز وبشرت بها كونداليزا رايس- وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة- قبل عدة سنوات.

وفى رؤيتى إن تراجع الفكر الوحدوى وترجيح التوجهات الانعزالية فى العالم العربى كان سبباً مهما فى تكوين هذا المشهد لدرجة أن المنظمة الإقليمية للعرب وهى جامعة الدول العربية فقدت عناصر قوتها وبالتالى خفت صوتها واختفى تأثيرها منذ أن بدأ العرب يفكرون من منظور قطرى «بضم القاف»!!