رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زعيم كندا الجديد


تتجه أنظار العالم تجاه كندا لتراقب الزعيم الكندى الجديد جاستن ترودو الذى فاز فى انتخابات أكتوبر الماضى.. ليس فقط للتغييرات السياسية المرتقبة فى سياسات بلاده تجاه قضايا دولية استراتيجية.. ولكن لأن كندا - على ما يبدو - تشهد ميلاد زعيم جديد ربما يكون رقما فى الخريطة السياسية العالمية. عندما زار الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون كندا عام 1972 أى منذ أكثر من 40 عاما قال لرئيس وزرائها فى ذلك الوقت بيير اليوت ترودو فى حفل عشاء أقيم احتفالا بزيارة الرئيس الأمريكى: لنتخل عن الرسميات هذه الليلة ودعونا نشرب نخب رئيس الحكومة الكندية فى المستقبل جاستن بيير ترودو الذى كان وقتها طفلا صغيرا عمره لا يزيد على بضعة أشهر.. وهنا رد عليه بيير ترودو: إذا حصل ذلك آمل أن يتحلى بترفع وحنكة الرؤساء. بعد 43 عاما من نبوءة نيكسون تولى ترودو الابن رئاسة وزراء كندا وعمره يتجاوز ال43 عاما بشهور. لم يكن نيكسون يقصد وقتها أن ترودو الأب سيورث ترودو الابن السلطة كما فعل الأسد وكما كان يخطط مبارك والقذافى وعلى عبدالله صالح.. فهو يعلم أن كندا دولة لا تعرف مثل هذه الجرائم.. فهى دولة ديمقراطية متحضرة.. فقط عرف الرجل قدر رئيس الوزراء ترودو الأب ورأى أنه سيورث ابنه الحنكة والخبرة والدهاء السياسى والترفع والأخلاق وقبل ذلك وبعده كيف يكون خادما للشعب.. فماذا ينقص ترودو الابن بعد ذلك ليكون زعيما على خطى والده؟ خلال حملته الانتخابية تهكم خصوم ترودو عليه معتبرين إياه فتى مدللا.. أو فتى وسيما يفتقر إلى مقومات الحكم وغير مؤهل لتسلم مقاليد السلطة فى البلاد، ولكن بعد عقد من حكم المحافظين نجح الشاب الوسيم جاستن ترودو زعيم الحزب الليبرالى فى اقناع الناخبين بقدرته على إحداث تغيير فى البلاد من خلال برنامج مختلف شكك خصومه فى إمكانية تنفيذه. وبعد فوزه فى الانتخابات لم ينس ترودو وعوده وتعهداته التى قطعها على نفسه وشكك فيها الآخرون، وكان أولها استقبال 25 ألف لاجئ سورى خلال شهرين..ففى مناظرة انتخابية جرت فى سبتمبر الماضى اتهم ترودو خصمه رئيس الوزراء فى ذلك الوقت ستيفن هاربر بالتخلى عن مسئولياته فى توطين اللاجئين وتعهد بإنفاق 100 مليون دولار على إعادة توطين اللاجئين فى كندا، وتخصيص 100 مليون أخرى لدعم برامج الأمم المتحدة فى هذا الشأن.. ورغم العقبات الكبيرة التى واجهت استقبال السوريين إلا أن ترودو أصر على الوفاء بوعده.. وبالفعل أقام جسرا جويا وتوجه بنفسه إلى مطار تورنتو لاستقبال أول رحلة تقل 163 من السوريين. وفى منحى آخر تعهد ترودو بتنفيذ برنامج التغير المناخى وذلك خلال 90 يوما من مؤتمر باريس ليكون الوحيد من بين القادة الذين حضروا مؤتمر المناخ الذى تحرك بإيجابية وببرنامج تنفيذى بعيدا عن الخطاب الإعلامى. وخلافا لما فعله رؤساء وحكام العالم من الهرولة للدخول فى حرب مع عدو هلامى صنعه الأمريكان وأطلقوا عليه اسم «داعش».. تعهد ترودو فى حملته الانتخابية بإنهاء مهمة القوات الكندية فى الحرب على «داعش».. وبعد فوزه بدأ الرجل فى تنفيذ وعده وقال: الآن تنتهى مهمة كندا العسكرية ضد التنظيم المتطرف، وأنه بدلا من إلقاء القنابل يجدر بكندا أن تساهم فى تدريب القوات المحلية على محاربة «داعش» على الأرض وزيادة الدعم الإنسانى. فعل الزعيم الكندى هذا ولسان حاله يقول إنه غير مقتنع بالمسرحية التى يديرها الأمريكان وأنهم - أى الأمريكان - إذا أرادوا القضاء على «داعش» فإن الأمر لن يستغرق منهم سوى بضع ساعات. «أحبنا والدى بإخلاص شمل حياته كلها.. علمنا أن نؤمن بأنفسنا، وأن نعرفها لندافع عنها ونتحمل المسئولية».. هكذا تكون الثقة بالنفس.. وهكذا تكون القدرة على تحمل المسئولية.. وهذا ما ورثه ترودو الابن رئيس وزراء كندا الجديد من ترودو الأب الذى كان رئيسا لوزراء كندا 15 عاما متتالية.. ومن هنا كانت البداية