رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الإسلاموفوبيا» وعدو للغرب


بعد الحرب العالمية الثانية انقسم العالم إلى معسكرين غربى وشرقى، حيث كان الاتحاد السوفيتى ودول حلف وارسو يمثلون العدو الرئيسى للغرب وما تمخض عن ذلك من إنشاء حلف شمال الأطلسى، حيث دخل العالم ما كان يعرف فى السياسة الدولية بالحرب الباردة التى كان يتحكم فى استمرار برودتها توازن الردع النووى بين الولايات المتحدة والغرب من جهة والعالم الشيوعى من جهة أخرى.

واستمر هذا الوضع أكثر من خمسة عقود حتى انهيار المعسكر الشرقى وتفكك الاتحاد السوفييتى فى بداية التسعينيات من القرن الماضى، وهنا واجهت واشنطن إشكالية عدم وجود عدو بديل لتمارس بسط سيطرتها فى مواجهته من جهة وتشغيل ترسانات الأسلحة بها من أجله من جهة أخرى وفى الوقت نفسه ظل هناك سؤال مهم واجه حلف الناتو «من سيحارب من» بعد زوال الشيوعية؟ وكان على الولايات المتحدة أن تجد إجابة مقنعة لهذا السؤال وإلا ما الحكمة من استمرار هذا الحلف العسكرى.

هنا بحثت أمريكا عن عدو جديد يحل محل العالم الشيوعى ولم يكن أمامها غير العالم الإسلامى ولكن وجود عداء مع دول مستقلة حتى ولو كانت إسلامية سيثير حفيظة وتحفظ بقية الدول خاصة أن الدول الإسلامية منتشرة على مساحة جغرافية مترامية الأطراف فى الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، ومن هنا أصبح من الضرورى بحث إمكانية خلق عدو من رحم الجماعات الإسلامية المتطرفة التى أنشأتها ودعمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى مواجهة الأعداء السابقين بدءاً من أفغانستان ومروراً بالصومال والعراق وصولاً لسوريا وليبيا واليمن.

ورغم اختلاف وسائل المواجهة إلا أن عدو الغرب المتنامى بدأ يكبر ويشتد عوده وينسلخ عن المناطق التى نشأ فيها ولم يكبر فقط لكنه أخذ يتغول من القاعدة إلى داعش وبوكو حرام وغيرهما من الجماعات الإرهابية ودعونا نتفق على تسميتها أدوات لأنها «صناعة أمريكية» وجدت فى الأصل للاستغلال السياسى ثم كسرت الأغلال وفكت القيود وتمردت على صانعيها واستغلت سياسة توطين الصراعات التى جاءت مع نظرية الفوضى الخلاقة والتى تعد المنظور السياسى لفكرة الشرق الأوسط الجديد التى دعا إليها شيمون بيريز فى الثمانينيات لقطف ثمار السلام مع العرب سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً.

وجاءت الرياح كما تشتهى السفن مع ثورات الربيع العربى ابتداء من العام 2010 – 2011 فى تونس ومصر واليمن وليبيا، وكان الهدف منها إعادة رسم خريطة المنطقة العربية من جديد عن طريق ربط الإرهاب بالإسلام خاصة بعد أن فشل تنظيم الإخوان فى أن يكون الحارس الأمين للمصالح الأمريكية فى الشرق والأوسط ولاسيما فى مصر التى حققت المفاجأة الكبرى بإسقاط حكم الإخوان فى العام 2013 وقيام ثورة الثلاثين من يونيه التى مثلت عنصرا قلب موازين وحسابات الولايات المتحدة.

وكان البديل دعم بؤر عدم الاستقرار القريبة من مصر والسعودية فى شكل تشجيع ودعم التنظيمات المتطرفة، وفى الوقت نفسه إعطاء الضوء الأخضر لبعض الأطراف الإقليمية مثل إسرائيل وتركيا ثم إيران بعد إبرام الاتفاق النووى معها للعب أداور جديدة تعتمد على إزكاء حدة الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى داخل الأراضى المحتلة وبعث أحلام تاريخية تمثل أطماعاً قديمة لكل هذا هو «الإسلاموفوبيا» افتعلوه ليصبح لهم عدواً يتحدوه ويحاربونه!!