رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الولايات المتحدة لن تكون أكثر حرصا على المنطقة أكثر من أهلها


أهل المنطقة متكفلون بتحقيق أهداف الولايات المتحدة، بل وأكثر منها، ولا نتوقع من الولايات المتحدة أن تكون أكثر حرصا على مصلحة شعوب المنطقة أكثر من حرص أهلها!

كانت الانتخابات الأمريكية موضعا لمناقشات نظرا إلى أن استطلاعات الرأى كانت تشير إلى تقارب فرص المرشحين: الرئيس الحالى باراك أوباما، والمرشح الجمهورى ميت رومنى، وإن كانت تتوقع أن يفوز أوباما بهامش ضئيل من الأصوات، ولكن أغلب الآراء أشارت إلى أن فوز أحد المرشحين لن يؤثر فى سياسة الولايات المتحدة خاصة سياستها نحو الشرق الأوسط، ومع ظهور النتيجة النهائية والتى أشارت إلى فوز الرئيس الحالى بأغلبية كبيرة نسبيا فإن من الضرورى محاولة توقع نتائج الفوز على الاستراتيجية الأمريكية خلال الفترة المقبلة، خاصة فى منطقتنا ورغم ما يعترى هذه المنطقة من أحداث وتغيرات.

إن فوز الرئيس الحالى باراك أوباما من الطبيعى أن يجعل السياسة والاستراتيجية الأمريكية خلال السنوات الأربع المقبلة امتدادا لسياستها خلال السنوات الأربع الماضية، ولست مع القائلين بأن سياسة الولايات المتحدة لا تختلف باختلاف الإدارات والرؤساء، ومن يراجع فترة الرئيس أوباما الأخيرة ويحاول أن يراجعها ويقارنها بسياسة الرئيس الذى سبقه جورج دبليو بوش، لابد أن يلاحظ أن خلال هذه الفترة انسحبت القوات الأمريكية من العراق، ووضعت خطة للانسحاب من أفغانستان، وأن باراك أوباما كان قد طالب بإيقاف الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية، وإن كان قد اتخذ موقفا ضعيفا بعد هذا الطلب، وحاول أن يحقق حلا للقضية الفلسطينية، وأن الولايات المتحدة وافقت مبدئياعلى عقد مؤتمر لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وهو ما لم يفعله سابقوه. وهذا لا يعنى على الإطلاق أن الرئيس أوباما يتخذ موقفا عادلا حيال القضايا العربية، فهو لم يخف فى أى وقت انحيازه إلى إسرائيل، والتأكيد على ارتباط أمن إسرائيل بأمن الولايات المتحدة الأمريكية، واستمر التعاون الاستراتيجى بينه وبين إسرائيل، وهو بالنسبة لقضية المشروع النووى الإيرانى اعتمد على استراتيجيته التى تتفادى استخدام القوة المباشرة، وإرسال جنوده إلى الخارج، ولكنه اعتمد أكثر على حلفائه وعلى مخابراته، وعلى حرب الحاسبات «حرب السيبر»، وعلى العقوبات الاقتصادية، وعلى استخدام الطائرات بدون طيار والسفن الموجهة الآلية بدون أطقم.

قبل أن ننتقل إلى تفاصيل سياسة باراك أوباما المتوقعة خلال الفترة القادمة نشير إلى أن من المتوقع أن تتغير وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون، وهذا لا يعنى أن السياسة الخارجية الأمريكية ستتغير، ولكن بلا شك سيكون أسلوب الدبلوماسية الأمريكية متغيرا نسبيا وفقا لأسلوب الوزير القادم.

لا بد ونحن نشهد بدء فترة الرئاسة الثانية للرئيس الأمريكى باراك أوباما أن نتذكر أن مناظرته حول السياسة الخارجية مع ميت رومنى إذ حين سئل عن موقفه من إسرائيل فقال أنه إذا تعرضت إسرائيل للعدوان فسنقف معها، وهو تعبير لم يرض عنه الإسرائيليون، الأكثر من هذا أن أغلبية اليهود فى إسرائيل كانت تؤيد انتخاب منافس لباراك أوباما وتفضل ميت رومنى. وهنا يمكن أن نركز على مواقف أوباما المتوقعة خلال السنوات الأربع المقبلة حيال قضايا الشرق الأوسط خاصة حيال المشروع النووى الإيرانى والقضية الفلسطينية، والعراق، حيال سوريا.

إذا بدأنا بالسياسة الأمريكية حيال إسرائيل فنتوقع أن تستمر سياسة أمريكا حيال اعتبار الاستيطان عائقا فى طريق السلام، ولكنه سيظل على علاقة قوية بإسرائيل خاصة فى التعاون معها فى مجال الدفاع الصاروخى، ولا أظن أن من المحتمل أن تفكر الولايات المتحدة فى استخدام قواتها لصالح أو ضد الفلسطينيين فهم أنفسهم جعلوا الأمر يسير فى صالح إسرائيل، ولا يدفع أصدقاء إسرائيل للمسارعة إلى مساعدتهم، وهذا لن يمنع من استمرار التعاون مع إسرائيل فى مجال الدفاع المضاد للصواريخ «الدرع الصاروخى» بما فى ذلك إجراء المناورات المشتركة المضادة للصواريخ، ولكن هذا قد يجعل الولايات المتحدة كابحا للطموحات الإسرائيلية فى استخدام القوة ضد إيران، هكذا فإن السياسة الأمريكية حيال إيران يتوقع أن تعتمد أولا على العقوبات الاقتصادية الحالية وتشديدها، وعلى المخابرات التى قامت باغتيالات لبعض الأفراد الرئيسيين فى المشروع النووى، وعلى حرب السيبر «الحاسبات» وحرب المعلومات، وعلى الطائرات بدون طيار، وربما السفن الموجهة، وستعارض الولايات المتحدة الأمريكية القيام بعمل عسكرى ضد إيران حتى وإن كان بعمل منفرد من إسرائيل.

الأغلب أن الولايات المتحدة ستعمل على عقد المؤتمر المقرر لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، وهى سبق أن وافقت على المبدأ فى عام 2010 كما وافقت على قرارات الأمم المتحدة فى هذا المجال، لكن يبقى السؤال حول موقف الولايات المتحدة الأمريكية فى حال رفض إسرائيل المشاركة فى المؤتمر، الغالب أنها ستحاول حث إسرائيل على المشاركة حيث تكون المشاركة رفعا للحرج واللوم من على الولايات المتحدة، وهى تعلم فى النهاية أن انعقاد المؤتمر لن يغير كثيرا من الواقع، هذا إذا كان سيغير شيئا، وفى أحسن الأحوال فإن إسرائيل يمكن أن توافق على المبدأ بإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية فى حال توقيع دول المنطقة كلها وبدون استثناء وإيران ضمنها على معاهدات سلام معها، وهو ما يعنى قبول دول المنطقة مبدأ امتلاك إسرائيل للسلاح النووى دون أن يكون لهم نفس الحق، أما الشرط فسيظل معلقا وغير قابل للتحقيق.

لا شك أن السياسة الأمريكية خلال الفترة المقبلة ستتأثر بنتائج مقتل السفير الأمريكى فى ليبيا حيث ستعمل الولايات المتحدة على تجنب تكرار واقعة مشابهة، وغالبا ستقوم بمحاولات لكبح التصرفات المثيرة للشعوب الأخرى على نحو الفيلم المسىء للرسول عليه الصلاة والسلام، كما ستهتم وتعنى عناية خاصة بحماية بعثاتها الدبلوماسية فى الخارج، ربما بوجود مسلحين داخل السفارات، وبالتنسيق مع الدول المضيفة الأخرى، لكن الإدارة الجديدة لن تحاول ولا تتوقع أن يصدر قانون أو شيء مشابه يحد من حرية الأفراد فى هذا المجال، مما يزيد من العبء الذى سيقع على القيادات السياسية.

إن الموقف الأمريكى حيال الأزمة السورية سيظل مرتبطا بالخطوط الحمراء التى يجب ألا تتعداها فى علاقتها بالاتحاد الروسى والصين، فقد حافظت الولايات المتحدة خلال الفترة السابقة على سياسة دفع الأمور فى اتجاه إسقاط نظام الرئيس الأسد دون التدخل المباشر من قواتها، ورغم التلويح بإمكان التصرف خارج مجلس الأمن، والغالب أنها ستظل على سياستها الحالية، خاصة مع الاتفاق على أنه ليس هناك حل عسكرى للأزمة وسحب اعتراف الولايات المتحدة بالمجلس الوطنى السورى كممثل للمعارضة السورية.

تظل السياسة الخارجية الأمريكية تتعلق بباقى دول العالم خاصة روسيا والصين ودول حلف شمال الأطلسى، وأن موقفها من منطقة الشرق الأوسط لا يتسم بالأهمية الكبيرة ولا بالتعجل فالأمور فى المنطقة تسير فى صالح الولايات المتحدة وحلفائها، وأهل المنطقة متكفلون بتحقيق أهداف الولايات المتحدة، بل وأكثر منها، ولا نتوقع من الولايات المتحدة أن تكون أكثر حرصا على مصلحة شعوب المنطقة أكثر من حرص أهلها!

■ خبير استراتيجى