رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الدولية.. وأطراف المعادلتين


تناولت تأثير المتغـيرات الدولية والإقليمية على أطراف المعادلتين الدولية والإقليمية، حيث برزت مدى الحاجة الاستراتيجية الملحة لبناءاستراتيجية عـربية موحدة قادرة على مواجهة التحديات والتهديدات التى تُحيق بالمنطقة العربية، ثم تناولت المحددات التى تقف حائلاً دون بنائها، وبدأت فى تناول مرتكزات بناء الاستراتيجية المقترحة بادئاً بالمرتكزات الأمنية والسياسية والعسكرية، فكان الموقع الجيوستراتيجى الفريد للمنطقة العربية هو المرتكز الرئيسى لبناء الاستراتيجية المقترحة سياسياً وأمنياً وعسكرياً، ثم بدأت فى تناول المرتكزات الاقتصادية فى المقال السابق، فقد خبأت الطبيعة فى الأراضى العربية ثروات معـدنية بكميات تفيض عن حاجتها، بالقدر الذى يسمح بتصديرها بالمعـدلات التى تسهم فى النمو الصناعى العالمى، بل وتسهم فى تحقيق الرفاهية الصناعية لبعض القوى العـظمى والكبرى، حيث لعب خام النفط الدور الأكبر.

وأتناول اليوم القطاع الزراعى كأحد أهم مرتكزات بناء الاستراتيجية المقترحة، حيث تلعـب المنتجات الزراعـية مع المعادن الاستراتيجية دوراً أساسياً فى صياغة وقياس القوة الاقتصادية للدولة - مجموعة دول، إذ تتداخل منتجات هذا النشاط مع سائر القطاعات الاقتصادية الأخرى خاصة النشاط الصناعى، حيث إنه من الصعـب بل من المستحيل أحياناً استبدال خامات أو منتجات النشاط الزراعى فى الصناعات الاستراتيجية، وتقاس القوة الاقتصادية أيضا بمدى توافر القوى المحركة «نفط.غاز طبيعى. طاقة كهربية»، حيث تشكل القوى المحركة أساس التقدم، فالدولة غـير المنتجة لهذه القوى تحمل فى جسدها ضعـفاً «ألمانيا واليابان فى الحرب العالمية الثانية» إلا أنه ينبغى عدم الربط بين القوة الاقتصادية للدولة، وبين امتلاكها المعادن الاستراتيجية والمنتجات الزراعية ربطاً مجرداً، بل يُوضع فى الاعـتبار مدى تفاعل القوة البشرية مع هذه الخامات والمنتجات، ومدى التقدم التكنولوجى للدولة، ومدى قدرة المجتمع على إضافة قيمة مضافة على الخامات والمنتجات، بدلاً من أن تصدرها الدول العربية كمواد خام، ثم تعـاد إليها مرة أخرى بعـد تصنيعها بقيم وأسعار تفوق كثيراً قيم تصديرها كمواد أولية.

والواقع فإن المنطقة العربية تقع بين خطى طول 60 درجة و 18 درجة شرق جرينتش، وهى بذلك تُعـتبر القلب من العالم المعـمور، كما تُعـتبر إقليماً جغرافياً ممتداً ومتصلاً دون عـوائق أرضية، وبين دائرتى عرض 40 درجة شمالاً، 2 درجة جنوباً، وهى بذلك تقع فى الوسط من النطاق الجغـرافى المعـتدل والنطاق المدارى، وبذلك تتنوع غلاتها ومحاصيلها وتتعـدد أنشطة قوتهاالبشرية، وبقليل من الإدراك والحس بالانتماء القومى يُمكنها أن تحقق الإكتفاء الذاتى الغـذائى لشعـوبها، بل يٌمكنها أن تتحول إلى دول تتمتع بفائض غـذائى قابل للتصدير، بما يُؤدى إلى امتصاص حجم كبير من البطالة فى البلاد العربية أولاً، وتعـظيم إجمالى الناتج المحلى العـربى ثانيا، والمشاركة فى تضييق الفجوة الغـذائية العالمية ثالثاً، فبالرغم من الـوضع الـمائى المتأزم والمفتعـل من القوى الإقليمية غـير العربية بإيعاز وتخطيط من الولايات المتحدة «إسرائيل ومشروعاتها المائية فى الأراضى الفلسطينية وتحويلها لمجرى بعض أنهار الأردن ولبنان، وكذلك تركيا ومشروعات الأناضول والسدود المائية التى حرمت كلاً من سوريا والعـراق من 34 و 37 % من الإيراد السنوى، إضافة إلى إثيوبيا وسياساتها المتعـنتة مع مصر بإقامة سد النهضة وسدود أخرى على مجرى النيل الأزرق لحرمان مصر حصتها التاريخية»، ويهدف هذا الوضع المفتعـل إلى وضع جميع الدول العربية دون استثناء تحت خط الفقر المائى، وبالرغم من أن الدول العربية تمتلك إمكانات زراعـية هائلة متوافرة فى بعـض الدول العربية، خاصة تلك التى تجرى فى أراضيها الأنهار الفيضية «السودان ومصر وسوريا ولبنان»، إلا أنها أصبحت جميعها مستوردة لغـذائـها، فالسودان وحده يُمكنه تلبية احتياجات الوطن العربى بأسره، وإشباع حاجات الإنسان العربى الأساسية، إذا ما تكاملت السياسات وتوحدت الأهداف وتأججت الإرادة السياسية والشعـبية داخل استراتيجية عربية موحدة.

وتقدر المساحة الكلية المنزرعة فى السودان بحوالى 71 ألف كم مربع «حوالى 17 18 مليون فدان»، منها 12 مليون فدان لا تروى رياً دائماً، بالرغم من أن السودان يُعتبر من أكبر دول حوض النيل مساحة، أما باقى الأرض المنزرعة «حوالى 6 ملايين فدان» فلا تُستغـل الاستغلال الأمثل فى غياب تكنولوجيا الإنتاج الزراعى الوفير، ونقص الأيدى الزراعـية الماهرة، ومواد التسميد، فإذا ما علمنا أن الأراضى القابلة للزراعة وغير المستغـلة فى السودان تُقـدَر بحوالى 400 ألف كم مربع أى حوالى 100 مليون فدان، لأدركنا على الفور كم تأخر العـرب فى التخلص من التبعـية التى وضعـوا أنفسهم فيها فى غـياب الاستراتيجية العربية الموحدة، وفى الأسبوع المقبل سأتناول المرتكزات الاجتماعـية بإذن الله.