رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من ضمن المناهج التى درسناها بكلية الإعلام مادة «إدارة الأزمات»..أساتذتنا كانوا دائمًا وأبداً يؤكدون ضرورة وجودها فى كل مؤسسات الدولة دون استثناء نظراً لأهميتها قبل وأثناء وبعد وقوع الأزمة

كارثة الإسكندرية.. ولجان إدارة الأزمات


من ضمن المناهج التى درسناها بكلية الإعلام مادة «إدارة الأزمات»..أساتذتنا كانوا دائمًا وأبداً يؤكدون ضرورة وجودها فى كل مؤسسات الدولة دون استثناء نظراً لأهميتها قبل وأثناء وبعد وقوع الأزمة.. وأوضحوا أنها نشأت عقب ضغط الرأى العام الأمريكى على مؤسسته الرئاسية لسحب جنودهم من فيتنام الشمالية بعد ارتكابهم مجازر يندى لها الجبين بحق الفيتناميين.. فما كان من الرئيس الأمريكى إلا الإذعان لطلب شعبه.. فى عام 2009 تأسست اللجنة المصرية لـ«إدارة الأزمات والكوارث» بقرار رقم 1537 لسنة 2009.. اجتمعت هذه اللجنة 39 مرة منذ إنشائها حسب معلوماتى.. كان آخر اجتماع لها قبل بدء المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية لعام 2015 !!.

انبثق منها أربع لجان فرعية.. أهمها اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحد من أخطارها.. وأعضاؤها ممثلون لكل الوزارات والمحافظات «الإدارة المحلية».. وبعض الهيئات المعنية والمجتمع المدنى والهلال الأحمر المصرى.. وممثل عن القطاع الخاص.. واللجنة الوزارية العليا برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية عدد محدد من الوزارات.. وكذلك قطاع إدارة الأزمات بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء.. ثم اللجنة الاستشارية لإدارة الأزمات وتضم فى عضويتها مجموعة من أبرز الخبراء والعلماء والمتخصصين فى مجالات متعددة ذات صلة بإدارة الأزمات.. وتُقدِّم المساعدة التقنية والعلمية للجنة القومية.

وهنا يجب لفت الانتباه إلى أن مصر يوجد بها أول مركز بالعالم العربى والإسلامى لإدارة الأزمات.. والمعروف أن المركز يحتوى على خبراء مشهود لهم فى هذا المجال.. لذا نطرح السؤال التالى: أين هذه اللجان؟.. وأين كان خبراؤها وموظفوها عقب الكارثة الأخيرة فى الإسكندرية.. وقبلها كارثة الوراق.. فضلاً عن كوارث وأزمات أخرى سنذكر بعضها لاحقاً؟!.. صحيح أن إدارة الأزمات فى دول كثيرة قد تعجز عن التنبؤ بحدوث العديد من الكوارث..لكن ليس بالطريقة التى نشاهدها عندنا فى مصر..ليه؟؟.. دعونا نتحدث بكل أمانة.. فنحن لا نتعلم إطلاقاً من تكرار أخطائنا.. مثلا قد تقع حادثة قطار فى مكان ما.. وبعد أسبوع قد نقرأ عن حادثة مشابهة وبذات الطريقة فى مكان آخر!!.. وزارة الصحة على سبيل المثال كان لها تصريح مختلف عن وزارتى الداخلية والنقل فى «واقعة الوراق» والعكس صحيح.. والنتيجة أن كل طرف يُحمل المشكلة على الطرف الآخر-كعادتنا دائما- ومن ثم تضيع الحقائق.. وهكذا تسير العجلة دون محاسبة حقيقية للفاسدين والمرتشين والمهملين الذين يضحون بحياة المصريين هنا وهناك.. وتصمت لجان إدارة الأزمات صمت القبور!!

كارثة العبارة «السلام-98» التى غرقت فى البحر الأحمر أثناء رحلة بين ميناءى ضبا السعودى وسفاجا.. وكانت تحمل أكثر من 1400 شخص عند غرقها بمن فيهم أفراد طاقمها.. هل تابعنا ما أشيع عن علاقة مالكها رجل الأعمال الهارب فى لندن ممدوح إسماعيل برجل المخلوع المدلل زكريا عزمى حينها؟؟.. بالتأكيد نتذكر هذه التفاصيل..ونتذكر أيضا أن لجنة تحقيق برلمانية أدانت رجل الأعمال والحكومة معا.. ثم حملت لهما المسئولية الكاملة فى هذه الكارثة بتقريرها الذى أكد وجود عيوب جسيمة فى العبارة يمنعها من الإبحار... لكن حكم المحكمة جاء صادمًا لأهالى الشهداء عندما تم تبرئة مالك العبارة عام 2008 !!.. فأين كانت لجان إدارة الأزمات من هذا الحدث الجلل؟؟!!.

فاجعة أخرى مثل طائرة مصر للطيران التى تحطمت قبالة ساحل ماساتشوستس الأمريكى بعد نحو ساعة من إقلاعها عام 1999.. والتى استشهد فيها 217 مواطناً من خيرة أبطالنا فى القوات المسلحة.. وظهر بعد ذلك تقرير ملفق لهيئة السلامة الأمريكية يزعم أن مساعد الطيار جميل البطوطى تعمد الانتحار وإسقاط الطائرة استنادا إلى قوله «توكلت على الله».. وهذه الجملة لا يقولها سوى بطل مؤمن بالله ويخشى لقاء ربه.. كما أن «البطوطى» كان ضمن صقورنا فى سلاح الجو.. وخبرته تصل إلى 15 ألف ساعة طيران.. أغلبها على طائرات البوينج.. فضلاً عن قيامه بتدريب العديد من الطيارين خلال سنوات خدمته.. فهل يعقل أن يُقبل رجل بهذه المواصفات على الانتحار؟؟!!..أيضاً لم نسمع عن لجان إدارة الأزمات المنوط بها متابعة هذا الملف وإعلام المواطن بحقيقة الأمور.

قبل 25 يناير بأيام.. شهدت مصر العديد من الإضرابات والمظاهرات الفئوية بشكل لم يحدث له مثيل بسبب ظلم فئة باغية - مأجورة خانت الأمانة ولم تراع الله فى فقير أو مريض أو محتاج.. نهبوا ثروات مصر بمساعدة مبارك ونظامه الفاسد.. وكان طبيعيا فى ظل الوضع المزرى الذى وصلنا إليه أن يثور الشباب ضد النظام المترهل يوم الثلاثاء 25 يناير2011 فى احتفالات «عيد الشرطة» بميدان التحرير فى القاهرة وبقية ميادين المحافظات.. كانت ثورة بريئة بحق إلى أن سرقها إخوان الشياطين لاستكمال مخطط «الربيع العربى».. مستغلين فى ذلك حالات الفقر والجهل والبطالة والغلاء التى ضربت المجتمع المصرى فى مقتل.. وبعد ذلك دخلنا النفق المظلم الذى أدى بنا إلى ما نحن فيه الآن.

قضايا وجرائم كثيرة من هذا النوع.. كان لابد أن تستشعرها لجان إدارة الأزمات والكوارث وتتعامل معها بطرق علمية وعملية تحفظ للوطن أمنه واستقراره.. لكن شيئاً من هذا لم يحدث.. خصوصًا فى ظل تضارب المعلومات التى يتعرض لها المواطن من وسائل إعلام مختلفة قد تزيد الأمور سوءًا.. والمطلوب الآن هو وجود لجنة مركزية لإدارة الأزمات والكوارث تتبعها اللجان الأخرى فى كل مؤسسات الدولة وهيئاتها.. على أن تكون مهمتها التنسيق والمتابعة مع الجهات المعنية بدراسة مشاكل المجتمع - صغيرها وكبيرها - والتعامل معها حسب انعكاساتها على المجتمع فى ظل وسائل إعلام غير أمينة، وذلك حتى نضمن الحفاظ على الأمن القومى المصرى.. وختامًا.. كارثة الإسكندرية مرشح وقوعها فى القاهرة وبقية المحافظات.. خصوصًا الصعيد.. فماذا أنتم فاعلون؟؟!!.