رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يسري أبو القاسم يكتب: مرار طافح

يسري أبو القاسم
يسري أبو القاسم

"اعط عاجز نظر يعطيك ربنا.. ساعدني يا موحد وحياة حبيبك النبي"..

كان يحمل كيسًا أنيقًا يضع فيه ما يتحصل عليه من ركاب المترو، والحقيقة ليس الكيس وحده الأنيق.. بل الشاب أيضًا.. كان يرتدي جلبابًا أبيضًا نظيفًا، يبدو أنه غالي الثمن، ونظارة سوداء تبرز لونه الأبيض، وتتسق مع شعره الفاحم، لولا فقده بصره لكان واحدًا من نجوم السينما، لكنها الأقدار..

تعاطف معه الكثيرون -ربما لحسن مظهره-.. امتلأ نصف الكيس بالنقود الورقية والمعدنية.. توقف المترو في "محطة الشهداء".. بدأ يتحسس خُطاه بين الركاب، حتى أن عصاه ضغطت على رجل فتاة.. فما كان لها إلّا أن تبتسم.. نزل من عربة المترو، واتجه نحو ماكينة التذاكر، ثم إلى بوابة الخروج، ليقف أمام "مسجد الفتح" برهة من الوقت.. تلفَّت يمينًا ويسارًا، ثم طوى عصاه، وأدخلها في الكيس.. تحرَّك قليلًا فبدا أنه مبصر، فإذا بامرأة في منتصف الثلاثينات تشير إليه.. تحرك من فوره نحوها في خيلاء.. طلبت منه أن يوقف لها تاكسي، لأنها تشعر بحالة إغماء.. نفَّذ أمرها، ثم طلب منها أن يصحبها حتى منزلها؛ خشية أن تتعرض لمكروهٍ، فوافقت..

أمرت السائق أن يتجه بهما إلى شارع مكرم عبيد؛ حيث مسكنها.. سعد النصاب لصيده الثمين.. امرأة جميلة تسكن في حيٍ راق.. كانا في الكرسي الخلفي.. تعامل معها على أنها تخصه، حتى لا يشك السائق.. طلب منها أن تتّكئ عليه بحجة مرضها.. نظرت إليه بشغف واتكأت، فاقشعر بدنه، وقال مداعبًا إياها: "ده مرار طافح"..
 
وفي أول شارع مكرم عبيد طلبت من السائق التوقف برهة، حتى تشتري بعض الأغراض.. راحت رأسه إلى البيرة.. لا بُد أنها تجهز لليلةٍ حمراء.. قطعًا هي تريده، لذا اختارته من بين الناس، ثم تحجَّجت بالمرض.. رجع إلى الخلف، وراح يتأمل ليلته التي ستذوب في ليلتها، ولكن طال انتظارها، فتململ السائق، وقال لصاحبنا: "هات الأجرة يا أستاذ، وانزل".. فقال صاحبنا بتعالٍ: "الدنيا ماطارتش".. فأخرج السائق مطواة قرن غزال ووجّهها نحوه، فخاف صاحبنا وامتثل للأمر، ثم بحث عن كيس النقود فلم يجده، فقال: "حسنة قليلة.. اعط عاجز يعطيك ربنا"..

فجذبه السائق من جلبابه، ثم وضع يده في جيبه، وأخرج هاتفه المحمول، وكان ماركة سامسونج s3، ثم أشهر مطواة في وجهه مرةً أخرى، فجرى صاحبنا وأكله الزحام، وبعد دقيقتين عادت المرأة، وركبت بجوار السائق، ثم قالت: "ده مرار طافح".. وضحكا بصوتٍ عالٍ، ثم انطلقا.

تمَّت