رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل أصبح الإعلام أداة للتدمير ؟!


أى راصد للمشهد الإعلامى الحالى سرعان ما يكتشف ظواهر خطيرة ومدمرة للعقل والفكر تأتى تحت عنوان حرية التعبير، فمن الثابت علمياً أن حرية التعبير فى وسط إعلامى عندما تصبح بلا ضابط أو رابط فإنها تتحول إلى فوضى تقود إلى انهيار قيمى وأخلاقى وبالطبع هذا بعد الانهيار المهنى، وفى هذا المجال سوف أطرح عليكم نموذجاً أقوم بتدريسه فى كلية الإعلام .. وهذا النموذج يعتمد على توظيف الاختلافات بين المذهبين السنى والشيعى سياسياً.فمن المعروف أن هذه الاختلافات ولا أقول الخلافات موجودة منذ أن عرف المسلمون المذهبين وكان الإسلام فى عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- لا يعرف التشيع أو التحزب وهذا ما يجب أن نعظمه ونؤكده ونبنى عليه وبه ما نواجه أعداء الإسلام لكن البعض لسبب ما يفجر ألغاماً ويخلط بين الاعتقاد المذهبى والصراع السياسى، وأقول إن هذا يتم إما عن جهل أو عن عمد وفى كلتا الحالتين أمر مرفوض إذن الخلافات الفكرية موجودة منذ زمن والسؤال لماذا فى هذا التوقيت يتم إثارتها؟ هناك من يحاول بخبث واضح إعادة رسم خريطة المنطقة السياسية ويستغل أطماع بعض الأطراف الإقليمية التوسعية فى إحكام منطقه التآمرى حتى تبدو الأمور كما لو كانت طبيعية لأن هناك عدم استقرار فى اليمن وليبيا والعراق وسوريا وفلسطين جاء نتيجة أطروحات ما يعرف بـ«نظرية الفوضى الخلاقة» التى ترجمت إلى ثورات الربيع العربى مستغلة الأوضاع السيئة فى كثير من الدول العربية، ومن ثم جاءت الثورة مثلاً فى مصر فى 25 يناير 2011 متسقة مع تردى الأوضاع إبان حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك واستغلها مروجو النظرية المذكورة لإذكاء نار الفتنة التى حرمت الثورة من مشروعيتها واستمرارها والانتقال بها من مرحلة التغيير الجذرى إلى إعادة البناء بعبارة اخرى حدث الهدم ولم يتم البناء وهو المطلوب وعندما قامت ثورة الـ30 من يونيه وجهت ضربة قاضية لمروجى نظرية الفوضى الخلاقة واعترفت بذلك هيلارى كلينتون -وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة- فى كتابها الأخير «الاختيارات الصعبة»، من هنا لجأوا إلى إشعال الفتنة المذهبية وحتى تضح الصورة أنه لا خلاف على وجود أطماع إيرانية فى المنطقة مستغلة حالة التفسخ العربى وهذا يصنف أنه يقع تحت عنوان الصراع السياسى وليس المذهبى وعليه جاء الخلط طالما أن إيران طرف فى هذا الصراع فإن الفرصة تصبح مواتية لتفجير لغم الخلاف السنى الشيعى بحكم أن غالبية العرب من أهل السنة وإيران وبعض الطوائف العربية يمثلون المذهب الشيعى، وأقول هذا خلط متعمد لأن مصر على سبيل المثال وطن لأهل السنة لكن المصريين يعشقون آل البيت، وقيل إن مصر بلد سنى شيعى الهوى ورغم اعتراضى على هذه المقولة الأخيرة إلا أنها تدل على وسطية وسماحة المصريين ومن هنا يصبح استغلال الخلافات بين المذهبين فى الإعلام هو نوع من الدعاية التى تستهدف الترويج لمؤامرة تقسيم المنطقة العربية لأن من يتحدث عن هذه منطقة سنية وتلك شيعية من المنتظر منه أن يحدثنا غداً عن هذه منطقة مسلمة وتلك قبطية أو نوبية أو أمازيجية أو كردية أو درزية، ويتناسى هؤلاء أن الجميع يجمعهم الإسلام والعروبة واللغة العربية، ولهذا أتوجه للزملاء الإعلاميين بتوخى الحذر فى تناول الموضوعات فى برامجهم التى تفرق ولا تجمع تدمر ولا تبنى بل تساعد أعداء الأمة على تنفيذ مخططهم فى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ !!