رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السيطرة


العنوان غريب، وأنا لا أقصد هنا سيطرة الغرب بقيادة أمريكا على النظام العالمي الذى لا يخلو من المظالم العديدة التى نفهمها فى ضوء: «إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ». ولا يقضى على هذا الظلم الا التعاون والتكامل حتى تسير السفينة العالمية سيرًا حسناً. ولذلك كانت نصيحة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عظيمة: «أحب لأخيك ما تحب لنفسك». طبعا أخيك هنا فى الحديث، قد يكون فى الدين أو الوطن أو الإنسانية جميعاً. ولا اقصد هنا أيضاً سيطرة الرجل على المرأة، ولا المرأة على الرجل على أى من المستويات الاجتماعية أو غيرها.

ولا أقصد بالسيطرة كذلك سيطرة بعض الحكومات فى العالم الثالث عن جهل واستبداد على الشعوب مما يجعل حياة بعض تلك الشعوب جحيماً. وهذا يقود إلى كوارث عديدة منها التدخل الأجنبى أو الاحتلال. ولا أقصد هنا سيطرة الاحتلال فى فلسطين على الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره ولا يجد عوناً حقيقياً على الخروج من التحديات والمشكلات التى يتعرض لها كل يوم. ولا اقصد هنا سيطرة رأس المال حتى على الانتخابات فى ظل النظام الديمقراطى المستورد من الغرب وفى ظل الفقر والحاجة والجهل، مهما كانت القيم التى يحملها هذا النظام.

ولا أقصد هنا سيطرة داعش على أرض من العراق وسوريا، باسم تنظيم الدولة الإسلامية، وما جره ذلك من خراب على العالم العربى والإسلامى، وجره إلى التدخل الأجنبى الذى لا يعلم مداه إلا الله تعالى، ظناً من الداعين إلى التدخل أو السماح بالتدخل، أن الغرب والقوى العظمى هى من الآمرين بالمعروف والنهى عن المنكر أو من مؤسسات الإغاثة. أتساءل ألا يوجد شخصية فى العالم العربى والإسلامى يمكن أن يقوم بالدور الذى يقوم به الساحر ليون والفريق الذى معه، فى ليبيا لتشكيل حكومة وطنية؟

السيطرة التى أقصدها هنا عندما سمعتها فى زيارتى الأخيرة للعراق، هى نقاط تفتيش وحواجز للسيارات والأفراد بمستويات متعددة، على الطرق ومداخل المدن فى العراق، أما السيطرة فى الطريق إلى مطار بغداد فلا مثيل لها، رغم أن الطرق إلى المطار تمر أو تجاور أو تحاذى المنطقة الخضراء التى اخترعها الأمريكان وفرح بها الحكام. دخل الأمريكان بغداد فى أبريل سنة، ٢٠٠٣، بعد هزيمة صدام المذلة له ولمن جاء بعده من الحكام، الذين ظنوا أنهم آمنوا بدعم الأمريكان لهم.

ونتج عن ذلك، من بين ما ينتج، قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية فى معظم بلاد الخليج وليس فى العراق فقط، واليوم نرى الروس يتدخلون فى سوريا بعد الإيرانيين وحزب الله اللبنانى، وقد يظن بعضهم أن ذلك هو المخرج أمام عنف وتكفير وتدمير داعش، وأنا أظن هنا أن العرب كالمستجير من الرمضاء بالنار. المخرج من هذا كله أن يجلس العرب أو الدول الإسلامية يتحدثون بشفافية وحوار حقيقى فى إطار الجامعة العربية بعد تطويرها حقيقة، أو فى إطار منظمة المؤتمر الإسلامى بعد تخليصها من البيروقراطية والنمطية والسيطرة والحزبية، أو بإنشاء منظمات جديدة تلائم العصر وتطوراته وتقنياته، تنظر فى حل الصراعات العربية والإسلامية، الثنائية والثلاثية أو غيرها،دون تدخل خارجى مهما كان، أو ربما بتعاون وليس بإشراف من الأمم المتحدة وليس من أمريكا ولا روسيا. يجب أن يجلس العرب تاركين الماضى الهزيل وراءهم والنظر فى أمر المستقبل. الذين يفكرون فى المستقبل ليسوا بأفضل منا ولا بعقول أحسن من عقولنا. الصراع فى أفغانستان نتيجته واضحة أمام الدول العربية والإسلامية التى وقفت إلى جانب المتحاربين من الطرفين. دخل السوفييت أفغانستان لحماية النظام أو الانقلاب الشيوعى فى آخر السبعينيات، ووجدها الأمريكان فرصة ذهبية لمواجهة السوفييت على الأرض الأفغانية وبدماء الأفغان وقليل من الدعم العسكرى والمادى والإغاثى. روسيا لم تنس الدرس وقد تكون هذه فرصة روسيا لرد الجميل إلى أمريكا التى لا تمسك بأوراق كثيرة فى الصراع السورى اليوم. وهى تحاول جادة بالتنسيق و بالتسويق مع بعض الدول وخصوصاً تركيا وبعض دول الخليج ليكون لها دور قوى فى الصراع السورى. هل نتفق جميعاً على مواجهة داعش والقوى التكفيرية، التى تهدد الجميع،ونحافظ على وحدة سوريا بغض النظر عن مشكلة الحكم التى تحتاج فى ضوء الأولويات إلى حل جذرى لا اظنه يتوافر مع بقاء الأسد أو داعش، العقاد رحمه الله تعالى كان يرى أن التفكير فريضة إسلامية، وهو كذلك وبعضنا اليوم يرى التكفير وليس التفكير فريضة إسلامية. رحم الله تعالى الأمة العربية والإسلامية. والله الموفق.