رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نائب رئيس عمليات القوات المسلحة الأسبق يكشف لـ"الدستور" أسرار حرب أكتوبر.. "نعيم": المخابرات المصرية والقوات الخاصة حققت مفاجآت للعدو ما زالت كابوساً يطارده حتى اليوم

جريدة الدستور

اللواء محمد نعيم عبد العظيم جاب الله نائب رئيس عمليات القوات المسلحة الأسبق الحاصل على نوط الواجب ونوط الجمهورية من الدرجة الثانية ونوط التدريب مرتين ونوط الشجاعة ونوط الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة التقت معه الدستور ليحدثنا عن الاستعدادات التي سبقت حرب أكتوبر وأمجاد الجيش المصري حيث عاصر هذه الاستعدادات وشارك في الحرب.

ولكن قبل أن يتحدث حول ذكرياته عن هذه الحرب قال أحب أن أؤكد أن ما حدث فى يونيه 1967 لم يكن هزيمة ولكنه نكسة لأن الهزيمة هى فرض الإرادة على الجيش والشعب وهذا لم يتحقق بدليل أن القوات الجوية المصرية قامت يوم 16 يونيه 1967 بتوجيه ضربه جوية ضد القوات الإسرائيلية شرق القناة وكبدتها خسائر كبيرة فى الأرواح والمعدات.

كما قامت قواتنا البحرية بتوجيه ضربة بالصواريخ البحرية ضد المدمرة إيلات وأغرقتها وعليها 120 ضابط بحرى إسرائيلي بخلاف أطقمها ودمرت إحدى القطع الأخرى كما قامت قوات الصاعقة المصرية بأعظم عمل فتصدت لقوات العدو المدرعة والميكانيكية ودمرتها ومنعتها من الوصول إلى بور فؤاد وهذا يؤكد على أن القوات المسلحة المصرية مازالت قادرة على إدارة الصراع المسلح.

كيف تم الاستعداد لحرب أكتوبر ؟

تم الاستعداد لحرب أكتوبر بدراسة أسباب الهزيمة وتلافى جميع السلبيات التى ظهرت وحرمت القوات المسلحة من القتال فى 1967 حيث بدأنا في إعداد وتنظيم القوات وإعداد خطة التدريب المناسبة كما تم دراسة العدو حجمه وأوضاعه ونقاطه القوية واستطاعت المخابرات الحربية بالتعاون مع القوات الخاصة من وضع تسجيلات عبارة عن أقراص ممغنطة في غرفة عمليات النقاط الحصينة من بور فؤاد شمالا إلى بور توفيق جنوبا بعمليات نوعية استخدمت فيها كل الإمكانيات حيث جندت المخابرات المصرية أفراد من بدو سيناء استطاعوا أن ينموا علاقة مع أفراد العدو بالنقاط الحصينة عن طريق إمدادهم باحتياجاتهم اليومية المختلفة وتمكنوا خلال فترة وجيزة من وضع أجهزة التسجيل فى جميع النقاط الحصينة وأصبح يسمع ما يدور بها من اتصالات وحوارات بين قيادات العدو فى مركز عمليات القوات المسلحة المصرية وكان ذلك بناءا على توجيهات الرئيس الراحل أنور السادات وللتغلب على تفوق العدو النوعي والعددي بالطائرات حيث كانت بنسبة 4 : 1 فكان لزاما على القيادة العامة للقوات المسلحة أن تتخذ من الإجراءات ما يعوض هذا التفوق فحددت توقيت الهجوم ليكون الساعة 2 ظهرا وبذلك تكون الشمس فى أعين الطيارين الإسرائيليين وتكون القوات المسلحة قادرة على اقتحام قناة السويس بخمس فرق مشاه تحت ستار ضربات القوات الجوية الناجحة والصواريخ والمدفعية وأعمال القوات الخاصة لاعتراض وتدمير دبابات العدو فى العمق التى تحاول نجدة النقاط الحصينة.

كما استعدت القوات الجوية فى أول ضوء من يوم 7 أكتوبر للتصدي لطيران العدو المتوقع ونجحت فى تدمير و وإسقاط أكثر من 48 طائرة إسرائيلية ونسجل هنا فشل العدو فى خروج أى طائرة يوم 6 أكتوبر نظرا لضرب مراكز القيادة والسيطرة وتحقيق عنصر المفاجأة.

كما تمكنت قوات الدفاع الجوى أن تؤمن أعمال قتال القوات المسلحة كما كان الحشد الذي أعدته قواتنا المسلحة فى خطة الفتح الاستراتيجي حيث تم حشد قوات وأسلحة ومعدات أكبر مما تحتاجه القوات المسلحة فى العملية وقبل الهجوم بثلاثة أيام بدأت الوحدات والعناصر المختلفة التى تزيد عن احتياجات القوات المسلحة فى العودة من الجبهة إلى القاهرة مما أكد للعدو عدم نية القوات المسلحة من الهجوم.

هذا بخلاف ما قامت به إدارة التوجيه المعنوي من فتح باب العمرة لضباط القوات المسلحة والتنسيق مع وزارتي البترول والطيران المدني بعدم تغيير طبيعة العمل إلا بأوامر فظل الطيران يعمل و شعلات البترول فى أبو رديس وأبو زنيمة وبلاعيم ورأس غارب تعمل بصورة طبيعية حتى بداية العمليات وهذا كله فى إطار خطة الخداع الاستراتيجي الكل يعمل ما يطلب منه دون معرفة ما يعمله الآخر .

ما دور المخابرات الحربية في حرب أكتوبر ؟

أسجل للتاريخ بأن تقديرات إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع من حيث حجم العدو وأوضاعه وأسلوب عمله كانت مطابقة تماما لما تم التدريب عليه وقد كانت النقاط الحصينة على امتداد قناة السويس محصنة ومجهزة بمختلف أنواع المعدات والأسلحة وكانت خلف هذه النقاط الاحتياطيات التكتيكية وكانت بقوة سريه مدعمة بالدبابات على مسافة تقدر من 2 إلى 3 كيلو متر من النقطة الحصينة لنجدة أى نقطة عند تهديدها.

وفى العمق التعبوى كان هناك كتائب مشاة مدعمة بالدبابات لنجدة النقاط الحصينة فى حالة فشل الاحتياطات التكتيكية على مسافة من 6 : 8 كيلو متر كما يوجد فى العمق الاستراتيجي لواءات مدرعة على عمق من 12 : 15 كيلو متر جاهزة للتدخل فى حالة فشل الاحتياطيات التعبوية.

وبناءً على ذلك تم وضع خطة للقوات الخاصة بعمل كمائن على طرق تقدم تلك الاحتياطيات بمختلف أنواعها علما بأن هذه القوات تحركت قبل الهجوم حسب المسافات المختلفة ومعها أظرف محدد عليها توقيت فتحها لمعرفة مهمة كل منهم وكان هذا من العوامل التى ساعدت وسهلت سرعة تدمير العدو الذى اعترف بانه قد خسر أكثر من 300 دبابة فى هذه العمليات.

كما استطاعت إدارة المخابرات العامة بنجاح من زرع عميل لها من عرب 48 وتمكن من التجنيد فى الجيش الإسرائيلي هو وآخرين وكان فى مركز عمليات القيادة الإسرائيلية على الجبهة المصرية وكان يرسل كل المعلومات التى تحتاجها القوات المسلحة وكانت أعظم مفاجأة فى حرب أكتوبر هو الجندى المصرى المقاتل الذى استطاع بسلاح الــ أر بى جى والصواريخ المضادة للدبابات من تحقيق الذعر والفزع للقوات الإسرائيلية باعترافهم جميعا.

ولقد شاهدت بعينى الجنود المصريين وهم يقتربون من الدبابات الإسرائيلية فى المنطقة الميتة المعدومة الرؤيا بالنسبة للعدو ودمروها بالـ أر بى جى كما رأيتهم يصعدون فوق الدبابات ويفجرونها بالقنابل، وبدأ العدو يستشعر خطر الصواريخ الموجهة التى تصيبه على بعد من 3 : 4 كيلو متر لذلك أعطى القادة الإسرائيليين الأوامر لجنودهم وللطيران بعدم الاقتراب من قناة السويس.

كما أسجل عمل القوات الخاصة خلف خطوط العدو بالإنزال بطائرات الهليكوبتر وقد تمكن تلك القوات من عمل كمين ناجح بكل المقاييس على ممر ( سدر الجبلى ) بسيناء وتمكنت من تدمير أتوبيس يحمل أكثر من 40 طيار وملاح ودمرته بالكامل وكذلك عدد من العربات الأخرى وظلت تقاتل بشراسة.

وهنا أروى ما قاله الملحق العسكري الإسرائيلي بإحدى الدول الأوربية وهو يسلم تحقيق شخصية جندي مصرى ويشيد ببطولته النادرة الذى استطاع هو ومجموعة من زملائه التصدي لسرية مظلات وأحدث بها خسائر فادحة وفى زهوة الانتصار استنجدت إسرائيل من اللحظة الأولى بأمريكا وأبلغتهم أنها فى خطر بعد إنهيار القادة العسكريين وتوجهت إلى واشنطن بطلب سرعة المساعدة.

وبدأ سيل الإمداد العسكري الأمريكي ينهال على إسرائيل من 15 أكتوبر عبر جزر (الأزور) فى المحيط الهادي إلى مطار العريش وكانت كل طائرة تحمل دبابتين من نوع ( أم 60 ) هذا بخلاف صورايخ (التو) والطائرات فكانت تلك الصواريخ حديثة جدا وكانت تطلق وتتوجه نحو عادم الدبابة المصرية لأنها صواريخ باحثة عن الحرارة.

وهنا بدأت القوات المصرية فى التفكير لصد تلك الصواريخ وبدأت فى توزيع قنابل (السرمايت ) فكانت قوتنا تلقيها على مسافة بعيدة من دباباتنا فكانت تجذب إليها تلك الصواريخ وكانت الطائرات الإسرائيلية الحديثة تطلق صواريخ باحثة عن معدن الطائرة أو تبحث عن الحرارة فتغلبت قواتنا عليها بأن يقوم الطيار المصري بإلقاء أفرخ ورق مفضض فكانت تجذب إليها تل الصواريخ .