رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغيرات الدولية والإقليمية وتأثيرها على المنظور الأمريكى «٢٨»


لم يُقدَر أردوغان مغـبَة مخالفة الولايات المتحدة بعـد أن أعـلن عـدم مشاركة بلاده فى التحالف الدولى لتصفية داعـش، باعـتبار أن الولايات المتحدة غـير جادة فى تصفية تنظيم قامت بتأسيسه وتوطينه فى المنطقة، وتقوم قطر بتمويله، وتركيا بتدريبه وتوفير التأمين الشامل لميليشياته المسلحة، فعـظمت دور إيران على حساب دور بلاده، ووجه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية إنذاراً شديداً لتركيا بأن تصفية داعش القابع على حدودها قد تستغـرق 10 و٢٠ سنة، وهو ما يعـنى أن تركيا لن تنعم بالاستقرار طوال هذه المدة، فأجرت تحولاً استراتيجياً حاداً فى موقفها، ونشرت قواتها البرية على حدودها مع سوريا، وسمحت للتحالف باستخدام قاعـد إنجرليك الجوية.

ويشير الواقع إلى أن أردوغان أجرى هذا التحول الحاد كى يسترد رضا وثقة الولايات المتحدة فى دور تركيا الاستراتيجى لاستعـادة مكانتها الإقليمية، وتجنب معارضتها عندما يعـمل على أن تكون جميع السلطات ملك يمينه، بعد تعـديل الدستور وتغيير نظام الحكم إلى نظام رئاسى، تحقيقا لكلماته الخالدة «دونى هو الطوفان ولا غـيـره، ومهزومون إلى يوم الدين ما لم تتخذوا النظام الرئاسى «سبيلاً ومنهاجاً» ولتحقيق ذلك، فقد أدرك أردوغان أن مصر هى التى حالت دون تحقيق مشروع إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير وفقاً للمنظور الأمريكى، باعـتبارها الدولة المركز التى تقود تفاعلات المنطقة العربية، فتمادى فى سياساته العـدائية ضدها، واستضاف المؤتمر الثانى لعـلماء أهل السنة، حيث خرج بنفس توصية المؤتمر الأول الذى انعـقد فى فبراير2014بأنقرة، وهى التوصية التى تمنح غـطاءً شرعياً لأعمال العـنف والإرهاب التى يمارسها أنصار الجماعة الإرهابية، باعتبار أن ما شهدته مصر فى 3 يوليو يُعـد انقلاباً على الشرعـية وخروجاً على الحاكم الشرعى، وأنه يتعـين التصدى لكل من يخرج على حاكم شرعى اختارته الأمة بكل الوسائل حتى يرجع عـن غـيَه ويعـود إلى رشده.

ولم يكتف السلطان العثمانى بذلك، بل ظل يسعى لتقويض الأمن القومى المصرى، فاتفق مع حماس على توفير التأمين اللوجيستى الشامل للعناصرالإرهابية ابتداءً من توفير الإيواء الآمن ومرورا بتوفير المعلومات وتأمين التحرك من وإلى القطاع، وتقديم التأمين الإدارى بالإمداد بالأسلحة والمعـدات والذخائر والتعـيينات والمهمات، ونهاية بتوفير التأمين الطبى وتقديم العلاج الطبى اللازم، وإخلاء القتلى والجرحى ورعاية أسرهم مادياً، والتدريب على المهام المطلوب تنقيذها.... إلخ، فضلاً على تشجيع حركة حماس منفردة لقبول عرض إسرائيل بعـقـد هدنة طويلة الأجل تقضى بعـدم تعرض الأراضى الإسرائيلية لأى تهديدات من قطاع غزة، فى مقابل تخفيف قيود الحصار الإسرائيلى المفروضة على القطاع، وتخصيص منفذ بحرى أمام القطاع، وهى الهدنة التى تعمل على إعلاء المصلحة الأيديولوجية للجماعة الإرهابية على المصلحة القومية العليا للشعب الفلسطينى، وتكرس وتعـمق الانقسام بينها وبين المنظمة الأم «فتح» التى تُعـتبر الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى، إذ تهدف هذه الهدنة طويلة الأجل إلى فصل الضفة عن القطاع.

هذا الفصل والانقسام هو الذى سيضع حـداً لنهاية الصراع العربى الإسرائيلى، ويحل المعـضلة الفلسطينية على أساس حل الدولتين، إذ يُقـصـد بحل الدولتين وفقاً للمنظور الجيوبوليتيكى الأمريكى ووفقاً للتفاهم الذى تقوده تركيا مع حماس وقطر وتونى بلير الذى قابل خالد مشعـل للمرة الثانية فى الدوحة، هو أن تكون هناك دولة فلسطينية فى الضفة الغربية، وأخرى فلسطينية أيضاً فى قطاع غزة بعـد توسعـته وتأسيس ما يُسمى غـزة الكبرى بإضافة جزء من الأراضى المصرية على شكل مثلث قاعدته بين رفح والعـريش ورأسه فى الشيخ زويـد، فى مقابل مساعـدة الجماعة الإرهابية لأن تكون طرفاً فى المعادلة السياسية المصرية ومساعدتها مستقبلاً للعودة إلى سدة الحكم كرغبة الولايات المتحدة.

وبالرغم من ذلك واتساقاً مع الشكوك التبادلية بين تركيا والولايات المتحدة، فإن السلطان العثمانى وضع فى اعتباره قرب أفول نجم الولايات المتحدة وصعـود نجم الصين عـسكرياً واقتصادياً، فسعى إلى التقارب معها، وعـقد صفقة لاستيراد نظام دفاع صاروخى صينى لدعم قدرات تركيا العـسكرية، خاصة بعـد أن قامت الولايات المتحدة بسحب منظومة صواريخ الباتريوت التى نشرتها على طول حدودها مع سوريا، وكانت تركيا قد دعت الصين قبل ذلك للمشاركة لأول مرة فى منـاورة «نسر الأناضول» التى تُجرى بتركيا سنوياً للتدليل عـلى التقارب العسكرى بينهما، وتعاظم التقارب الاقتصادى بينهما، حيث يمكن ملاحظة القفزات الهائلة فى حجم هذا التبادل الذى كان حجمه مليار دولار فقط فى 2001، وأصبح 17 مليار دولار فى2010، ثم قفز إلى 24 ملياراً فى 2012، ومخطط ليصل 100 مليار فى 2020.. وللحديث بقية فى الأسبوع المقبل بإذن الله.