رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وقفة مع النفس فى أيام الحج


كل يوم يمر من عمر الإنسان، أى إنسان، ينقص من عمره، والواجب أن يزيد فى عمله ويبارك فى ثمراته. الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من تساوى يوماه فهو مغبون أى أنه قد غبن نفسه. أى ظلم نفسه، وظلم وطنه، وظلم الإنسانية كلها بهذه السلبية التى هى من أسباب التخلف. الأيام التى نمر بها أو تمر بِنَا، من أفضل الأيام، فهى أيام العمل الصالح، العشر الأوائل من ذى الحجة. فيها فريضة الحج التى يرجع منها الحاج الذى لم يرفث ولم يفسق كيوم ولدته أمه. أى خالياً من الذنوب، وفيها الأضحية التى ينتظرها بعضهم من العام إلى العام طمعاً فى وجبة من الأضحية.

ومنهم من قال فيه الشاعر: فما حججت ولكن حجت العير. حياة الإنسان كلها يجب أن تكون فى طاعة الله تعالى، مهما كان العمل الحلال الذى يقوم به، وليست الفرائض وحدها فقط. وسواء أكان فى المقدمة أو الساقة، وسواء أكان رئيساً أو مرءوساً. خذ مثلاً قول الله تعالى الواضح الذى يفهمه الجميع: وقولوا للناس حسناً، وكلمة الناس هنا تشير إلى كل الناس، ولكنك ترى بعضهم وهو فى رحلة الحج، يؤذى نفسه وغيره كذلك. لو أن الحجاج أو معظمهم، أو أن البشر فهموا خطبة الوداع، لما بقى ظلم على الأقل فى بلاد المسلمين. «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا».

أما تقوى الله تعالى فى النساء كما جاء فى خطبة الوداع كذلك، فإنها تحل الكثير من المشكلات المتعلقة بالمرأة حتى فى المحاكم والإرث والنظرة الدونية للمرأة، حتى أصبحت النساء فى بلاد المسلمين تتمنى أن تكون مثل الأوروبية، ولم تعد نموذجاً يحتذى. يتحدث الخطباء عن الحج فيجيدوا، وعن خطبة الوداع فيكون كلامهم ناقصاً. يقولون دم المسلم على المسلم حرام وهذا صحيح، ولكن دم غير المسلم على المسلم أيضاً حرام لأنه «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا» كما يقول الله تعالى.فلماذا لانراعى فى خطابنا فى المساجد والإعلام والتعليم الفهم الصحيح والرسالة الواضحة؟ ولو فهمت داعش ومن على شاكلتها هذا النص القرآنى أو خطبة الوداع وحدها لكفى، وما شاهدنا هذه الدماء التى تسيل هنا وهناك دون وجه حق. هناك نصيحة أخرى جميلة تعين فى تخليص الناس من الذنوب التى قد لا يشعر بها المذنب. يقول الإمام على رضى الله عنه وأرضاه: «من اعتمد على ماله قَل، ومن اعتمد على عقله ضَل، ومن اعتمد على جاهه ذُل، ومن اعتمد على الله تعالى، لاقل، ولا ضَل، ولا ذُل». تصور أيها القارئ، المجتمع المصرى وقد التزم الجميع بقوله تعالى: «وقولوا للناس حسناً»، كنّا سنذهب إلى المساجد أو الكنائس وكل المعابد، ونخرج منها وقد قلنا حسنا، وازددنا حسناً، وهنا تقل أسباب التناحر والصراع. تصور أيها القارئ، لو أن وسائل الإعلام فى مصر التزمت هذا المبدأ الجميل، وقالوا للناس حسنا، بعيداً عن إثارة الصراع فى المجتمع المصرى، ذلك الذى أصبح البعض يتقنه ولا يتقن فن بناء المجتمع، كنّا تقدمنا كما تقدم غيرنا، وبنينا كما بنى غيرنا. أما النصيحة الأخرى، فهى فى الاعتماد على الله تعالى وحده، فلن يقل مالنا إلا إذا اعتمدنا على الغير، أو على المساعدات التى لاتنقضى، وقد جربناها كأفراد ومجتمعات كثيراً.

ولم نناقش أنفسنا، لماذا لانكون نحن الذين نقدم المساعدة للآخرين. ولا نسأل كيف يكون ذلك، ونحن الذين تعلمنا، أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وبالتأكيد فإن كل من يحصل على مساعدة من الآخرين، وكان من الممكن تلافى ذلك، فإنه يدخل ضمن المعنيين باليد السفلى. طبعاً هذه اليد السفلى، أصابت مصر العظيمة لأسباب عدة منها، الفساد الشديد الذى ضرب مصر وخصوصاً أيام مبارك. الاعتماد على الله تعالى خير حتى من الاعتماد على النفس، دون أن يقلل ذلك من العمل: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» فإذا كان العمل صالحاً، كان الأجر كبيراً وواضحاً، والحسنة بعشر أمثالها، وإذا كان العمل يشوبه حتى الإخلاص، بالنسبة إلى المؤمن، بطل العمل وأحبطت النتيجة وساء الوضع مهما كانت الثروات، فلا تغنى عن الفساد والإفساد شيئاً. وكل عام وأنتم جميعاً ومصرنا الحبيبة شعباً ورئيساً وحكومة بألف خير. والله تعالى الموفق.