رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. وحكم الفرعون والكهنة


والله الذى لا إله إلا هو.. لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أقبل هذا المنصب وبنفس المشاهد التى رأيتها فى منامى ما قبلت.

بعد يوم عمل طويل جلست مع صديق حميم صادق صدوق.. وطنى غيور على مصلحة بلاده.. لم أره يوماً مهموماً مثلما هو حاله فى هذه اللحظة سألته: مالك «يأبوحميد» شايل طاجن ستك ليه النهاردة؟.. أجابنى: أنا مهموم بظروف البلد..حاسس إن مش هيقوم لها قومة تانى إذا استمرت المسرحيات الهزلية بأبطالها الحاليين على نفس المنوال.. حاولت أن أخفف عن صديقى همه وحزنه ورجوته أن يحدثنى فى أى شىء آخر غير السياسة.. فجأة نظرإلى وقال: أمس الأول رأيت حلماً مزعجاً للغاية.

قاطعته وقلت له خير يا صديقى.. احكى.. خفف عن نفسك يمكن ترتاح.. قال لى: هرتاح إزاى بس!!.. دى الأمور يوم عن يوم بتتعقد أكثر وأكثر.. قلت له: احكى حلمك وبعدين نفسره وإن شاء الله يكون خيراً.

قال الصديق الوفى: رأيت فى منامى.. خير والصلاة على محمد.. أننى أصبحت رئيساً للجمهورية.. إزاى أنا مش عارف.. المهم ما أطولش عليك.. وجدت حولى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. خدم إيه وحشم إيه وكمان هتيفة وترزية قوانين ومنافقين وأصحاب مصالح ومطامع.. وحملة مباخر وكمان شفت بينهم رجال يصلحون لكل زمان ومكان ولكل نظام.. ووسط كل هؤلاء وجدت قلة صالحة مخلصة ليس لشخصى لا سمح الله.. بل للبلد.

قلت لصديقى: شوقتنى يا راجل.. كمل أرجوك.. قال: سألت المنافقين: إيه أحوال الناس.. هل هم راضون عنى؟ أجابوا: طبعاً طبعاً.. بيبوسوا الأيادى.. وبيحمدوا ربنا إنه أهداهم رئيساً مثلك.. الناس عايشة كويس.. مفيش أزمات سكن ولا بطالة وكمان صحتهم زى «البمب» حتى لو أكلوا زلط وشربوا من مياه المجارى.. الناس يا ريس باختصار شديد.. عايزين إيه غير رضاك عنهم؟!

قلت لصديقى: وبعدين.. كمل حلمك الله يخليك.. لازم تحكيه للآخر.. قال: ونظرت إلى أصحاب المصالح وسألتهم عن رأى المنافقين فأجابوا: الشعب مش ناقصه غير شوية مصانع على شاكلة مصانع الكمياويات فى دمياط والأسمنت بالسويس.. وياريت لو سعادتك تمنحنا كام قطعة أرض زى «مدينتى» وأرض توشكى وأرض الشركة «المصرية ــ الكويتية» ولسان الوزراء وأرض الطيارين علشان نبنى عليها فيللات وشاليهات.. فمن جانب نشغل العمالة المصرية.. ومن الجانب الآخر نبيعها للأجانب وتدخل البلد عملة صعبة.. وحبذا لو سيادتك تمنحنا شوية تسهيلات.. يعنى توصل لنا الخدمات مجاناً فى هذه المناطق.. وفى النهاية الخير هيعم عليك وعلينا.. وسيبك.. بلا شعب بلا نيلة.. دول شوية رعاع.

صمت صديقى قليلاً.. وهنا نهرته ورجوته أن يكمل حلمه المزعج.. وبعد شد وجذب استمر فى سرد تفاصيل حلمه قائلاً: بعد أن سمعت من المنافقين وأصحاب المصالح وجهة نظرهم فى شخصى وشعبى.. أردت أن أسأل حملة المباخر وترزية القوانين عن الوضع وكيف نعالج مشاكل البلاد والعباد.. فأجابوا: اسمع يا ريس.. إحنا معاك وكل شىء بالقانون.. أنت الرئيس الأعلى للقوات المسلحة وللشرطة وللقضاء والإعلام.. والدستور أعطاك كل هذه الصلاحيات.. فلماذا لا تستخدمها يا ريس؟ التجارب والتاريخ أثبتوا أن الشعب المصرى لا يحكم إلا من خلال الكهنة والفرعون.. فكن أنت الفرعون ونحن الكهنة فاستمتع بحقوقك ودعنا ننعم حولك برغد العيش ونلبى لك ما من شأنه إخضاع الشعب وإذلاله حتى تستطيع السيطرة عليه.. وإن شئت بعد مماتك أن نجهز القوانين والذى منه لتوريث أبنائك وأحفادك فنحن جاهزون.

تعجبت من حلم صديقى فعلاً.. وقلت له: وبعدين.. كمل.. فاستطرد قائلاً: بعد هذا اللغط وتلك الحيرة بين هؤلاء كان لابد من سؤال المخلصين رغم أنهم قلة ويحاربون من كل اتجاه.. ورغم ذلك سألتهم: ما رأيكم فى ظروف البلاد ومعيشة العباد؟ وما سمعتموه من المستشارين الأقربين؟.. أجابوا بكل إخلاص: يا ريس الشعب بيكرهك وبيدعى عليك آناء الليل والنهار.. مش بس كده.. ممكن يغتالك كمان فى أى لحظة إذا سنحت له الفرصة.. قلت لهم.. يا ساتر استر.. ليه كل ده؟.. ما هو أنا موفر لهم كل شىء.. وبعدين الأزمات الحالية بسيطة وراح أحلها فى أقرب وقت ممكن.. ولاحظوا أن الأنظمة السابقة هى إللى عملت كده مش أنا!!.. وأضاف المخلصون: مش كفاية يا ريس أن سيادتك وعدت الشعب بالقضاء على جميع مشاكله.. يا ريس ما تخليش الكرسى ينسيك هموم الشعب.. افتكر إن الأنظمة اللى سبقتك أمرضت الناس بالفشل الكلوى والسرطان والسكر والضغط وأفقرتهم واستعبدتهم وآهو سيادتك شفت نهايتهم كانت إزاى.. ولازم تعرف يا ريس إن الشعب بيلهث حالياً خلف رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز.. وكمان يا ريس فرص العمل بقت قليلة جداً.. مشاكل كثيرة يا ريس لازم تشوف لها حل وإلا..

وهنا رد المنافقون على المخلصين: ماتسمعش الكلام ده يا ريس.. كلام الناس دول فارغ وتافه.. دول كذابين وأولاد ستين «برطوشة».. ابعدهم عنك يا ريس.. خلى وزير الداخلية يعتقلهم أو يدفنهم أحياء.. دول خطر على أمن البلد يا ريس.. وعلى التوريث كمان.. دول مهابيل.. وواضح إنهم بيعملوا لحساب أجندات خارجية.. اوعى يا ريس تسمع كلامهم أحسن هيودوك فى ستين داهية.

وهنا صمت صديقى عن الكلام المباح وقال لى: أرأيت أن حلمى مزعج؟.. قلت له: مزعج بس؟! ده مزعج جداً جداً جداً..الله يكون فى عونك.. فرد على قائلاً: والله الذى لا إله إلا هو.. لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أقبل هذا المنصب وبنفس المشاهد التى رأيتها فى منامى ما قبلت.

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.