رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احتفالات بكين.. رسالة خاطئة للمجتمع الدولى


أحدثت احتفالات بكين لإحياء ذكرى انتصار الصين على اليابان فى الحرب العالمية الثانية رد فعـل قوياً لدى الولايات المتحدة وحلفائها فى الغرب والشرق، فقد تعـمدت الصين إبهار العالم بإبراز قدرة وكفاءة قواتها المسلحة وكأنها تريد إرسال رسالة محددة المعالم بأنها آتية لا ريب لتُصبح أحد أقطاب الغـد القريب، بعـد تحقيق توازنها الاستراتيجى بجميع عناصره وأنها أصبحت مستعـدة للمُشاركة فى قيادة تفاعلات النسق الدولى، خاصة بعـد أن حققت توازن المكانة الذى يعـتبر العـنصر الأساسى الواجب تحقيقة لتفعـيل هذه المشاركة، الأمر الذى أزعج «أوباما» الذى لم يلب الدعوة لحضور الاحتفالات ولم يعـتـذر عن عـدم حضورها كأحد موجبات الأعراف الدبلوماسية، ووصفها بأنها رسالة خاطئة للمجتمع الدولى، والمقصود بتوازن المكانة هو اتساق جميع المقومات الأساسية للدولة التى تُتشكل من خصائصها القومية، أى اتساق المعـطيات الجغـرافية والحضارية والـديـمـوغـرافيـة مع معـطيات مقـدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعـية، والتفاعـل السليم بين عـناصر كتلتها الحيوية «القـوة البشرية ومساحة الإقليم والموارد الطبيعية» فإذا اتسقت وتوافـقـت كـل هذه المعـطيات لدولة ما فى وضع تأجج القوة، فإنها تكون قد حققت توازن مكانتها بما يكفل لها أن تكون قائدة لتفاعلات نسقها الإقليمى أو الدولى، أما الدولة متسقة العناصر وهى فى وضع تدنى القوة، فتكون قد حققت أيضاً توازن مكانتها لكنها ستظل عاجزة عن قيادة تفاعلات نسقها.

واتساقاً مع هذا المفهوم، فقد اندفعت الصين بكل قواها لتطبيق وممارسة استراتيجيتها التنموية العملاقة كى تتمكن من تحقيق اتساق جميع العـناصر وهى فى وضع تأجج القوة لتحقيق توازن مكانتها وتتمكن من قيادة تفاعلات نسقها الإقليمى أولاً، ثم قيادة تفاعلات النسق الدولى ثانياً، وقد ارتكزت هذه الاستراتيجية على خمسة مرتكزات، الأول هو العمل على مضاعـفة حجم اقتصادها من خلال الإنتاج الوفـيـر فى جميع المجالات خاصة المجال الصناعى مع تطبيق معايير الجودة التى تتسق مع جميع الأذواق وتتناسب مع القدرات الشرائية لجميع الأسواق، والمرتكز الثانى هو الانفتاح على العالم شرقه وغربه، وشماله وجنوبه، حتى أصبحت الصين المستثمر الرئيسى فى دول إقليم جنوب شرق آسيا ثم فى دول الأنساق الإقليمية الأخرى خاصة الأفريقية، ويكمن المرتكز الثالث فى أنها اعـتبرت نفسها تكتلاً اقتصادياً قائماً بذاته، يمكنه مواجهة ومنافسة التكتلات الاقتصادية العـملاقة الأخرى «الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبى، اليابان....إلخ»، والمرتكز الرابع هو السعى الدؤوب لإحداث تنمية اجتماعية حقيقية تتسق مع عـناصر قوتها الشاملة الأخرى وإحداث تنمية بشرية، تقوم أساساً على صيانة نسقها السلوكى والقيمى والأخلاقى، والتحرر من جميع التقاليد البالية التى تعـيق حريـة حركتها، وتعـرقل مشاركتها فى عجلة الاقتصاد العالمى، مع عـدم نبذ القيم الثقافية الغربية وأن يأخذ منها الشعب الصينى ما يشاء بما يتسق مع قيمه وتقاليده الأصيلة، خاصة قيمة تعـظيم العمل، وأن يُفرق بين التغـريب والتحديث.

أما المرتكز الخامس الذى نحن بصدده فى هذا المقال، فهو ضرورة امتلاك قوة عسكرية متفوقة تتضمن بناء أسطول بحرى قادر على صيانة مصالحها الحيوية المنتشرة فى جميع أنحاء العالم، فقامت بإعادة هيكلة وتشكيل قواتها المسلحة ليُصبح قوامها 2,3مليون جندى سيتم تخفيضها 300 ألف جندى فى 2017 قامت بتدريبه وتسليحه بأحدث ما فى ترسانتها من أسلحة وجهزته بالأجهزة والمعـدات المتطورة، وامتلكت أول حاملة طائرات صينية فى 2008، وقامت ببناء أسطول بحرى «تقوم بعـض قطعه حالياً بزيارة القاعدة البحرية بالإسكندرية لإجراء تدريبات مشتركة مع البحرية المصرية»، ثم قامت بزيادة تواجدها المكثف فى أفريقيا خاصة فى مناطق المعادن الاستراتيجية لدعـم صناعتها الحربية، وتسعى إلى امتلاك قدرات تكنولوجية متفوقة لتطوير مقدرتها العسكريـة، وفى هذا السياق يجدر الإشارة إلى العرض العسكرى المبهر الذى حضره قادة أكثر من 30 دولة فى مقدمتهم الرئيس بوتين والرئيس السيسى، وشارك فيه12ألف جندى، يتمتعـون بالانضباط الصارم، والأداء المتقن الذى يُبرز تدريبهم الراقى وكفاءتهم القتالية العالية، وشاركت فيه 200 طائرة قتال متنوعة وعدد كبير من مركبات القتال والدبابات، وكم هائل من الصواريخ متنوعة المدى بما فى ذلك الصواريخ الإستراتيجية عابرة القارات حاملة الرؤوس النووية «دونج فنج 21D» وجميعها صينية الصنع.

فهل كان هذا العرض رسالة خاطئة للمجتمع الدولى حقاً؟ أم كان رسالة واضحة فاضحة للولايات المتحدة التى تُخطط لتهديد أمن واستقرار الصين بأن تجعـل منها دولة حبيسة، حيث قامت بتكثيف تواجدها بمنطقة بحر الصين الجنوبى، وتحالفت مع كثير من الدول المتشاطئة عليه، وأجرت تدريبات مشتركة للسيطرة على مضيق ملقا وإغلاقه، وهو المضيق الذى يُعـتيرالمنفذ الوحيد لخروجها إلى المحيط الهندى، ومن ثم إلى بحار ومحيطات العالم.

أستاذ العلوم السياسية- جامعة بورسعيد