رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"المبيدات المسرطنة.. والبيضاية": قضايا فساد عصفت بوزراء الزراعة

وزارة الزراعة
وزارة الزراعة

منذ سنوات عديدة وتمثل وزارة الزراعة معترك لكل فساد، حتى بات مسؤوليها على المحك في مناصبهم، وأصبحت السجون هي مطافهم النهائي، وامتلأت ملفاتها بفساد لا ينتهي، وتعج المحاكم بقضاياهم التي تظل تتداول لأكثر من 10 سنوات، حتى يسدل عليها الستار بأحكام مخففة أو تظل متداولة كما هي.

آخر حلقات ذلك الفساد المنتشر الوزارة، اختتمه اليوم "صلاح هلال"، وزير الزراعة المستقيل، الذي ألقت أجهزة الأمن القبض عليه، منذ قليل، في ميدان التحرير؛ بناءً على تعليمات الرقابة الإدارية، وتوجيه اتهامات له بالفساد.

ويعتبر الفساد جزء متأصل من وزارة الزراعة منذ عهد الوزير "يوسف والي" إبان حكم الرئيس الأسبق "محمد حسني مبارك" عام 2004، والذي ظلت قضاياه تتداول في المحاكم دون حكم يسدل الستار عليها حتى الآن.

"يوسف والي":
ارتبط اسمه بكثير من قضايا الفساد .. وباتت اتهامات الرشاوى مقترنة بشخصه.. لم يذع صيته منذ توليه منصب وزير الزراعة عام 1982 وحتى 2004 إلا بعدما تحول فساده إلى مادة إعلامية ثرية تكشف كل يوم حلقة جديدة حول تورطه في قضايا بيع الأراضي بأسعار بخسة واستيراد المبيدات الزراعية المسرطنة.
كانت قضية إدخال المبيدات المسرطنة إلى البلاد ورقة التوت التي كشفت عن عورات مسؤولي وزارة الزراعة، في يناير 2000، تقدم نائب مجلس الشعب السابق مصطفى بكري ببلاغ للنائب العام، تحمل يوسف والي مسؤولية الموافقة على إدخال مبيدات تحتوي مركبات سرطانية للبلاد.
وأكد أن تلك المبيدات كانت سببًا في انتشار أمراض الفشل الكلوي والكبدي جراء تلوث الخضراوات والفواكه عن طريق إضافة المبيدات والمواد الكيماوية المسرطنة الموجودة داخل الأطعمة بموافقة منه، على نحو ألحق أضرارًا بالغة بصحة المواطنين.

وجاء في البلاغ أنه في 31 يوليو 1996، أصدر يوسف والي، نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة في ذلك الوقت، القرار رقم 874 لسنة 96 والذي يحظر تجريب أو استيراد أو تداول أو استخدام أو تجهيز المبيدات سواء كانت مواد خامًا أو مستحضرات تجارية في أي صورة من الصور والمصنفة مجموعة B محتمل مسرطن للإنسان والمجموعة 2 مسرطن ممكن للإنسان سواء للإتجار أو للاستخدام الشخصي.
وجاء هذا الحظر لنحو 38 مبيدًا استنادًا إلى تصنيف هيئة حماية البيئة الأمريكية التي حددت المبيدات المحظورة.

"عبد الرحمن يوسف":
ثم ظهر في الصورة "عبد الرحمن يوسف"، وكيل وزير الزراعة، الذي يعد تلميذ "والي" الذي تربى في مدرسته، كما أنه أحد الرموز البارزة التي توجه إليها أصابع الاتهام في قضايا فساد داخل وزارة الزراعة، حيث قام في البداية بتعيين شريكته "راندا الشامي" مستشارة الفنية لشركة البورصة الزراعية.
وقام بالاتفاق مع بعض أصحاب تلك الشركات على أن تقوم البورصة الزراعية بتسويق منتجات تلك الشركات على أن يتولى "عبد الرحمن" تسجيل تلك المبيدات في مصر حتى يمكن استيرادها من الخارج وتداولها في البلاد.
وأقنع "عبد الرحمن"، وزير الزراعة، بالموافقة على استيراد المبيدات بعد أن قدم إليه مذكرة ضمنها معلومات غير صحيحة، حيث تم إعطاء الحق لتلك الشركات بتوريد احتياجات وزارة الزراعة من المبيدات وتوريدها للزراعة.

وقام أصحاب تلك الشركات بطبع تسجيل للمبيدات المطلوب تسجيلها لشركته وتسليمها "لراندا الشامي" التي قدمتها إلى "يوسف عبد الرحمن" فوقع عليها وزير الزراعة دون أن يتخذ في شأنها أيًا من إجراءات التسجيل والتجريب المعمول بها في الوزارة ودون سداد الرسوم المقررة على أي منها.

ووقع "عبد الرحمن" وزير الزراعة على 28 شهادة أخرى لتسجيل المبيدات بنفس الطريقة، وضمنها خاتم شعار الجمهورية؛ مما أضاع على الدولة مبالغ مالية تمثل قيمة المستحق عن التجريب والتحليل للمبيدات الواردة بهذه الشهادات، والتي تم على أساسها استيراد المبيدات المذكورة بها وتداولها واستعمالها رغم أن بعضها مسرطن للإنسان.
"اتهامات وقضايا تنتهي بـ10 السجن عشر سنوات"
وتم القبض على "عبد الرحمن وراندا الشامي" نسبت إليهم النيابة العامة تهم تلقي الرشوة والتربح واستغلال النفوذ واستيراد مبيدات خطرة عالميًا تحتوي على مركبات مسرطنة، والإضرار العمدي بالمال العام بما يزيد على 18 مليون جنيه.
واتهمته أيضًا بتسجيل مبيدات لصالح بعض الشركات دون اتباع الإجراءات القانونية، واستغلال النفوذ والإضرار بالمال العام، وأخذ رشوة للإخلال بواجبات وظيفتهم، كما نسبت النيابة له أيضًا أنه أضر بأموال ومصالح جهة عمله بأن أصدر أوامره بإلحاق 37 سيارة مملوكة لوحدة الخدمات البستانية للعمل في خدمة الشركة المصرية لإنتاج وتسويق وتصدير الحاصلات الزراعية.
وهو ما ترتب عليه إهلاك بعض قيمتها كأصول وحمل جهة عمله نفقات تشغيلها، ونسبت النيابة أيضا إلى "راندا الشامي" طلب وأخذ رشوة لنفسها مقابل الإخلال بواجبات وظيفتها مقابل تسهيل وإنهاء إجراءات توريد مبيدات مكافحة آفات القطن.

ونسبت النيابة أيضًا إلى المتهمين تزويرهم لشهادات رسمية تفيد بأن بعض المبيدات خالية من المواد المحظورة، وأن مواصفاتها الفنية سليمة وقاموا بختمها بخاتم شعار الجمهورية ووضعوا عليها تواريخ لا تتفق وتاريخ صدورها الحقيقي.
وفي 20 نوفمبر عام 2008، أصدرت محكمة جنايات الجيزة حكمها في تلك القضية بمعاقبة "يوسف عبد الرحمن" بالسجن 10 سنوات وعزله من وظيفته، وعاقبت المحكمة "راندا الشامي" بالسجن 7 سنوات وعزلها من وظيفتها.
كما عاقبت المحكمة في القضية التي تضم 18 متهمًا بالسجن 3 سنوات وعزله من وظيفته، قام المتهمون بالطعن على هذا الحكم أمام محكمة النقض التي قضت بإلغاء الأحكام الصادرة ضدهم، وإعادة محاكمتهم أمام دائرة محاكمة أخرى.
وعلى مدار 3 سنوات متتالية شهدت أحداثًا عديدة أودعت محكمة النقض في 23 مايو 2010، حيثيات حكمها الذي أصدرته بتأييد الأحكام الصادرة عن محكمة جنايات القاهرة في قضية المبيدات المسرطنة السالف ذكرها.

وأودعت المحكمة في حيثيات حكمها أن المتهم الأول أضر بالأموال العامة ومصالح وزارة الزراعة، في وحدة الخدمات البستانية وصرف 3 ملايين و400 ألف جنيه كأجر لـ 122 موظفًا للعاملين بجهة عمله ومن ميزانيتها دون أدائهم عمل فعلي لتلك الجهة.
كما ثبت حصول راندا الشامي على أموال في صورة رشوة من بعض تلك الشركات مقابل تدخلها لترسية توريد بعض الشركات الخاصة لمبيدات للوزارة.
كما واجه "يوسف والي" بدوره اتهامات بإهدار 200 مليون جنيه على الدولة تمثل قيمة فارق سعر قطعة أرض بجزيرة "البياضية" بالأقصر باعها لرجل الأعمال الهارب "حسين سالم" بمبلغ 9 ملايين جنيه، بينما قيمتها الحقيقية 209 ملايين وفقا لتقديرات الخبراء.
ونسبت النيابة إلى والي في القضية التي لازالت قيد المحاكمة تهم تسهيل الاستيلاء على المال العام والإضرار العمدي به وتربيح الغير.
وتم تحويل القضية إلى القضاء في يناير عام 2000، وكان متهمًا فيها 21 مسؤوًلًا ومتعامل مع وزارة الزراعة معظمهم من كبار مساعدي يوسف والي، بعد ما تم توجيه اتهامات له باستيراد مبيدات وهرمونات تسبب السرطان والفشل الكلوي والكبدي والعقم، وإدخالها عن عمد للبلاد مقابل عمولات وبموافقة صريحة من يوسف والي والذي كان يعرف خطرها.