رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بارقة أمل ليبى.. أم نهاية الأمل؟


اجتمع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين يوم الثلاثاء 18 أغسطس 2015 بناء على طلب ليبيا التى طالبت الدول العربية بأن تتدخل بالقصف الجوى لمساعدتها فى مواجهة تنظيم داعش الذى يرتكب جرائم فظيعة خاصة فى سرت. واستندت الحكومة الليبية فى طلبها هذا إلى الاقتناع بأن تهديد الجماعات الإرهابية لا يقتصر على تهديدها لأمن ليبيا، وإنما تهديدها يمتد إلى باقى الدول العربية، بل وإلى دول العالم. وقد جاء فى خطاب وزير خارجية ليبيا فى الحكومة المعترف بها أن خطر التنظيم يهدد باقى الدول، خاصة الدول المجاورة مصر والسودان وتونس والجزائر وتشاد والنيجر، ويؤثر على أوروبا. وطلب ليبيا كان يقوم على مساعدة الدول العربية لها خاصة فى ظروف فرض تصدير الأسلحة لليبيا حسب قرار مجلس الأمن السابق والذى تراقب لجنة العقوبات تنفيذه، ومن المعروف أن هذه العقوبات كانت قد فرضت على ليبيا أثناء حكم العقيد معمر القذافى، وأن جامعة الدول العربية قد شاركت مع الأسف فى هذا الفرض.

إن مراجعة ما صدر عن اجتماع مجلس الجامعة يوم الثلاثاء 18 أغسطس يقول إن ما حصلت عليه ليبيا لم يرق إلى مستوى المطلب الليبى، بل ولا إلى ما يمكن للدول العربية أن تقوم به، ولا شك أن الليبيين يتساءلون لماذا تتوافر الإمكانيات والجهود للحرب فى اليمن بينما لا تتوافر لليبيا. طبعاً ليبيا قد حصلت على تأييد شفوى وسياسى، كما أشار البيان الصادر بعد الاجتماع إلى تأييد جهود مندوب الأمم المتحدة الوسيط الدولى للحوار بين الأطراف الليبية، وهو طبعاً أمر مقبول، لكن مجلس الأمن والوسيط الدولى يتجاهلون أن نجاح الحوار يتطلب أن تكون الأطراف على درجة مناسبة من الندية، فحينما يكون أحد الأطراف يتمتع بإمدادات من الأسلحة وإن كانت مختفية أو غامضة فى حين يفتقر الجانب الآخر إلى الإمدادات فإن نتيجة الحوار لابد أن تذهب لصالح الطرف الذى يتمتع بالإمدادات. بل إن عامل الزمن يسير لغير صالح الحكومة الشرعية، حيث من المعروف أن فترة صلاحية المجلس المنتخب والقابع فى طبرق تقترب من نهايتها، أى أنه يفتقر من ناحية إلى السلاح، وقد يفتقر إلى السند القانونى لبقائه خاصة إذا وضعنا فى اعتبارنا أن الجانب الآخر يتمتع بدعم مالى، وهناك شكوك كثيرة أن هذا الجانب الإرهابى والإجرامى هو صنيعة مخابرات أجنبية ويكفى أن نتذكر أن أنه حدث ثلاث مرات على الأقل أن هبطت طائرات أمريكية «بطريق الخطأ» بإمدادات سلاح.

فى هذا المجال يأتى التزام مصر بمساعدة ليبيا نقطة مضيئة فى الموقف العربى، حيث تشعر مصر بمدى خطورة الجانب الإرهابى، ليس على ليبيا ومصر فقط، بل على كل المنطقة، لكن المدى الذى يصل إليه هذا الدعم يجب ان يكون كافياً لمنع الإرهابيين من السيطرة على ليبيا وإتلاف التراث، ولكن الأهم إنقاذ البشر الموجودين فى ليبيا من ممارسات الإرهابيين الذين يضطهدون المرأة مرة، والأقليات الدينية مرات، ثم غيرها كما رأينا مرة فى درنة مع الإخوة المسيحيين، وأخيراً فى سرت وهذه الخسائر بالذات غير قابلة للتعويض.

هل كان من المتوقع أن يستجيب الاجتماع للطلب الليبيى؟ لم يكن من المتوقع، فيجب أولاً أن نحدد ما إذا كان الأمر يعرض الأمن القومى العربى للخطر، فإذا كان يهدده فيجب تحديد المهمة التى يجب تحقيقها، وعلى ذلك فماذا يجب عمله لحماية الأمن القومى؟ وهذه أمور يجب أن تتم دراستها، وقطعاً ليس مندوبو الدول العربية هم المناسبين لتلك الدراسة بينما هناك فى معاهدة الدفاع المشترك لجنة تسمى اللجنة العسكرية الدائمة والتى تعمل تحت إشراف الهيئة الاستشارية العسكرية المشكلة من رؤساء أركان حرب الجيوش العربية هى المختصة بهذه الدراسات.

جاء ما يوحى بالأمل بأن مجلس الدفاع المشترك سيجتمع يوم 27 أغسطس لوضع استراتيجية للتعامل مع داعش والأزمة فى ليبيا. هل ينتظر أن يستجيب مجلس الدفاع المشترك للطلب الليبى؟ أشك كثيراً، ولكنى أرجو أن تكون خطوة فى الاتجاه الصحيح، حيث نقترب من إعادة العمل بمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى، وخطوة تؤدى إلى تشكيل القوة العربية المشتركة، فلا أظن أن الأمن القومى العربى وفى القلب منه الأمن القومى المصرى يمكن تحقيقه دون تحقيق معاهدة الدفاع المشترك، بل وتحقيق التنمية باعتبار أن التنمية هى جوهر الأمن.