رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل سوريا بعد بشار الأسد «٢»


استكمالاً لمقالنا السابق يوم الخميس الماضى تحت العنوان نفسه الرئيس الإصلاحى لم يخسر فقط صورته ولكنه فقد إلى حد كبير سلطته المطلقة. وتحولت جهود الأسد وذوى المصالح المرتبطة به لتعزيز نقاط ضعف القيادة التى ظهرت على من كان يطلق عليه «أسد دمشق الجديد». ويعد «بشار» الآن واحداً ضمن عدة أفراد آخرين من أفراد أسرته – بالإضافة إلى أخيه الأصغر، ماهر الأسد، الذى يدير اللواء الرابع للجيش وابن عمه رامى مخلوف، رئيس شركة الاتصالات السورية – الذين يديرون شئون البلاد. ويتم اتخاذ القرار إلى حد ما بطريقة جماعية فى تلك الأسرة. ويظهر تغير القيادة أن ما يحرك النظام حالياً هو معركة البقاء فقط. وقد عزز أصحاب المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية التى تحكم الدولة أنفسهم ضد التغيير، كما لم تعد هناك رؤية لسوريا، بعيداً عن الاعتبارات الأمنية، موجودة ضمن الأجندة.

وفى الوقت نفسه، تواجه المعارضة التى تزيد من تعزيز صفوفها ببطء يومياً، تحدى عدم الوصول إلى الكتلة الجماهيرية المؤثرة التى أجبرت بن على فى تونس ومبارك فى مصر على الابتعاد عن السلطة. وعلى الرغم من عمليات التوحد، وإنشاء شبكات تعاون خلال النزاع، ما زالت المعارضة تفتقر للقدرة على إحداث التغيير. تعتبر منطقة الشرق الأوسط أهم منطقة فى العالم من النواحى الاستراتيجية و العسكرية والاقتصادية والروحية فمنها انطلقت الحضارة الإنسانية وإليها ينتمى جل التراث الروحى والثقافى وعلى أرضها نمت أولى الإمبراطوريات ودار فيها الصراع بين الإمبراطوريات وإلى الآن مازلت جميع القوى العظمى تخوض الصراع من أجل إما استمرا ر الاستحواذ عليها «حالة أمريكا» أو أخذ حصة منها «حالة الصين وروسيا الاتحادية ».

من هذا المنطلق لا نستطيع أن ننظر إلى الأحداث الدائرة فى سوريا كمشكلة إقليمية بل كمشكلة دولية لها أبعاد تخص الصراع بين القوى الكبرى وأى محاولة لدراسة الأحداث من غير هذا المنظور هو خطأ كبير فكل ما يحصل نتيجته هو حتماً تغير كبير ليس فقط فى ميزان القوى العالمية بل ربما تغير خرائط ونشوء دول جديدة فهذا الصراع المستعر بين السنة والشيعة الذى استحضرته إدارة بوش من تحت رماد عمره 1500 سنة، من خلال احتلال أفغانستان و العراق والذى أدى إلى إزالة معوقين فى وجه المد الشيعى الإيرانى الحامل لأوهام إمبراطوريته الفارسية فى لباس دينى.

يشكل مأساة قتل الحسين القوة التى تحركه وهنا لابد أن يحضرنا الشاه إسماعيل صفوى وما قام به ’ إن أمريكا بتدميرها هذين العدوين كانت إيذاناً بانتهاء مرحلة الاحتواء المزدوج التى كانت محور إستراتيجية إدارة بيل كلينتون طيلة التسعينيات الخاصة بدول الخليج الفارسى ومع مجىء «جورج بوش» المحاط بغلاة المحافظين الجدد مثل بول وولفويتس ريتشارد بيرد أصحاب مشروع القرن الأمريكى مستغلين أحداث 11 من سبتمبر وشكل احتلال أفغانستان والعراق المرحلة الأولى فى السعى لتحقيق هذا المشروع القائم على نظرية الفوضى الخلاقة أو التدمير الخلاق وهو الاسم الأصلى له الذى يخطط كبار المخططين إلى إقامة الشرق الأوسط الكبير من خلال الفوضى التى كنا نجهل كل شىء عنها حتى انطلقت الشرارة من تونس و ما عرف بالربيع العربى لتبلع الموجة مصر ونظام مبارك المترنح وليبيا «القذافى» ومن ثم موضوع كلامنا أى سوريا عقدة الشرق الأوسط والتى ترسم الثورات الجارية فيها الشكل المبدئى للشرق الأوسط الجديد فهنا تتصارع قوى الهلال الشيعى مع المحور السنى ومن خلفهما القوى العظمى ,كما يتصارع فيها القوى القومية الكردية مع العرب والترك بشكل ثانوى الشدة ولكن محورى الفاعلية من جهة توازن القوى بين المتصارعين ومن جهة رسم الخريطة فالكرد هم القومية الوحيدة التى تتوزع أرضه كقبضة الأسد بين أربع دول رئيسية فى المنطقة وتشكل كردستان المفترضة العمود الفقرى للشرق الأدنى القديم وأى تغيير لا بد أن يمر من كردستان وقبلها من سوريا قلب العروبة وواسطة عقد الهلال الشيعى وبوابة تركيا إلى الخليج موطن الثروة السنية العربية.

أستاذ القانون العام - جامعة طنطا